قلق أوكراني من انهيار أفغانستان
أذهلت الأحداث الأخيرة في أفغانستان الرأي العام الدولي وصدمت الناس حول العالم، حيث يتوقع عدد كبير من المحللين الآن أن يؤدي انهيار الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة إلى تداعيات جيوسياسية واسعة النطاق خلال السنوات المقبلة.برأي المراقبين في أوكرانيا التي تعتبر الولايات المتحدة حليفة أساسية لها في حربها غير المعلنة ضد روسيا منذ سبع سنوات، يعكس استيلاء حركة «طالبان» على أفغانستان مشهداً بالغ الخطورة، فساد قلق كبير في كييف بسبب إصرار الرئيس بايدن على سحب القوات العسكرية رغم تصاعد الأدلة التي تشير إلى وقوع عواقب كارثية على مستوى الهيبة الأميركية ووضع الشعب الباكستاني.في ما يخص العراق وأفغانستان، يبدو أن منطق تفكير بايدن تغيّر منذ فترة، وبرأي الرئيس الأميركي، حصل هذان البلدان على الوقت الكافي وعلى فرص هائلة للاستفادة من دعم واشنطن ومساعداتها، لكنهما لم يستفيدا من الوضع، إنه السبب المباشر للكارثة الراهنة في كابول.
في ظل تصاعد الضغوط والانتقادات اللاذعة لطريقة تعامل بايدن مع الانسحاب الأميركي من أفغانستان، دافع الرئيس الأميركي عن المبادئ التي تبرر قراره، وتعليقاً على الموضوع، أعلن بايدن في 14 أغسطس، حين كانت قوات «طالبان» المتمردة تستعد للسيطرة على كابول: «ما كان الحفاظ على وجود عسكري أميركي لسنة إضافية أو لخمس سنوات أخرى ليُحدِث أي فرق إذا كان الجيش الأفغاني يعجز عن حماية تماسك بلده بنفسه، ولا يمكنني أن أوافق على استمرار الوجود الأميركي إلى أجل غير مُسمّى وسط صراع أهلي في بلد آخر».يتساءل الجميع الآن في كييف عن استعداد بايدن لتحديد تاريخ مماثل لإنهاء دعم واشنطن ومساعداتها إلى أوكرانيا، فهل تستحق أوكرانيا حتى الآن استمرار الدعم الأميركي لها من وجهة نظر بايدن؟ أو هل يظن الرئيس الأميركي أن أوكرانيا سبق أن حصلت على فرصتها ولم تستفد منها؟على صعيد آخر، لا تثبت أي أدلة أن الولايات المتحدة ستفقد صبرها قريباً في تعاملها مع أوكرانيا، ولا نفع من إقامة مقارنات مباشرة بين الظروف المختلفة في أفغانستان وأوكرانيا أصلاً، ومع ذلك، لا تبدو العلاقات الثنائية في الوقت الراهن مثالية بأي شكل. من المعروف أن بايدن مُطّلع على الشؤون الأوكرانية بأدق تفاصيلها، فقد أمضى سنوات عدة وهو يتعامل مع الملف الأوكراني في عهد باراك أوباما، فخلال تلك المرحلة، استثمر بايدن جزءاً كبيراً من طاقته الشخصية ورأسماله السياسي لتغيير البلد غداة ثورة الميدان الأوروبي في عام 2014.مع عودة بايدن إلى البيت الأبيض بعد مرور أربع سنوات، ها هو يدرك الآن أن التقدم المرتبط بإصلاحات أوكرانية أساسية كان قد أيّدها سابقاً لا يزال متواضعاً، وقد تلاشت في الوقت نفسه مجموعة من أهم مبادرات مكافحة الفساد.في المقابل، أحرزت أوكرانيا تقدماً بارزاً في مجموعة من المجالات الأخرى، منها إصلاح وتحديث قواتها المسلحة ومؤسساتها الأمنية، وفي بعض مجالات الإصلاح، يمكن القول إن أوكرانيا أبلت حسناً بشكل عام، لا سيما عند مقارنة المبالغ التي تم استثمارها في أفغانستان وأوكرانيا. قد يبدو هذا الوضع واعداً، لكن من الواضح أن أوكرانيا لا تزال بعيدة عن تحقيق التحوّل الجذري الذي أراده بايدن وداعمو أوكرانيا الأميركيون.تصاعدت المخاوف الأوكرانية من التطورات الحاصلة في أفغانستان نتيجة القرار الأميركي الأخير بتخفيف ضغط العقوبات على خط أنابيب النفط الروسي «نورد ستريم 2». لطالما اعتُبِر مشروع الطاقة هذا سلاحاً جيوسياسياً ضد أوكرانيا في المقام الأول، وكان قد عارضه الحزبان الديموقراطي والجمهوري بقوة في واشنطن، لكن الوضع تغيّر بطريقة جذرية في أواخر شهر مايو الماضي، حين أعلن بايدن تليين الموقف الأميركي كجزءٍ من جهوده لإعادة بناء العلاقات مع ألمانيا، شريكة روسيا في مشروع خط الأنابيب، وأثارت هذه الخطوة استياء كييف وطرحت أسئلة عدة حول مكانة أوكرانيا اليوم على لائحة أولويات السياسية الخارجية الأميركية.سارع الكثيرون في كييف إلى إطلاق استنتاجات مفادها أن علاقة أوكرانيا مع الولايات المتحدة لم تعد مهمة بقدر ما كان عليه التورط الأميركي في أفغانستان، وعملياً لن يشكك الكثيرون بقدرة الجيش الأوكراني على الصمود وحده عند الحاجة، ومع ذلك أطلقت طبيعة الانسحاب الأميركي من أفغانستان موجة قلق في أنحاء أوكرانيا وشكّلت جرس إنذار لكل من يظن حتى الآن أن الدول تستطيع الاتكال على استمرار الدعم الغربي إلى أجل غير مُسمّى.