انهيار أفغانستان يغيّر الديناميات الاستراتيجية في جنوب آسيا
ما كان متوقعاً بعد تسعين يوماً تحقق خلال أسابيع قليلة، فقد استولت حركة «طالبان» على أفغانستان بالكامل غداة انسحاب القوات الأميركية السريع وخضعت كابول لها من دون أي مقاومة.في منطقة جنوب آسيا، لطالما كانت معظم التطورات في أفغانستان انعكاساً للحرب بالوكالة بين الهند وباكستان، وتترسخ هذه الحرب دوماً بسبب طبيعة أفغانستان غير الساحلية وبيئة الصراعات والفوضى السياسية السائدة هناك.بالنسبة إلى باكستان، تحمل عودة «طالبان» إلى أفغانستان فرصاً بارزة، فحين ظهرت هذه الحركة للمرة الأولى خلال التسعينيات، سمح دعم «طالبان» لباكستان بترسيخ عمق استراتيجي في وجه الهند عبر ما اعتبره البلد نظاماً ودّياً، لكن الغزو الأميركي في عام 2001 أدى إلى تحوّل جذري في سياسة باكستان، فانضمّت هذه الأخيرة إلى القوات الأميركية لمحاربة «طالبان» و«القاعدة»، فكانت باكستان في طليعة الدول التي استضافت اللاجئين الأفغان وقدّمت المساعدات دعماً لجهود إعادة البناء الأميركية، لكن لطالما اشتبه الكثيرون باستمرار علاقة سرية بين باكستان و»طالبان»، وقد اتضحت هذه العلاقة عبر تدخّل باكستان الناشط في الفترة الأخيرة لتسهيل حضور «طالبان» إلى طاولة المفاوضات.
في المقابل، طوّرت الهند علاقات أفضل مع الحكومات الأفغانية، باستثناء السنوات التي حكمت فيها «طالبان»، فمنذ عام 2002، أصبحت الهند مشارِكة ناشطة في إعادة إعمار أفغانستان، فاستثمرت نحو 3 مليارات دولار على شكل مساعدات تنموية، كذلك شاركت الهند في تطوير المجالات التعليمية والبنى التحتية في أفغانستان.بالنسبة إلى الهند، تشكّل أفغانستان أيضاً ممراً للحصول على موارد الطاقة من دول آسيا الوسطى، لتحقيق هذه الغاية، أعطت الهند طابعاً رسمياً إلى اتفاق ثلاثي مع أفغانستان وإيران في عام 2015 بهدف تطوير ميناء «جابهار»، مما يُسهّل وصول الهند إلى أفغانستان عبر الالتفاف حول باكستان وتسهيل فرض تدابير اقتصادية قوية.لكن الهند بقيت غائبة عن المفاوضات السياسية الأخيرة في أفغانستان رغم جهودها الدبلوماسية و«حُسْن نواياها» الواضحة، وفي ظل تصاعد التوقعات حول حصول حوار متأخر مع «طالبان»، كانت مقاربة الهند تقضي بالاتكال على دعم ضمني للقرارات الاستراتيجية الأميركية، مما يعني أن تُركّز على معاقبة باكستان وجهازها الاستخباري الداخلي بسبب دعمها لحركة «طالبان». تطرح التطورات المتسارعة في الأسابيع الأخيرة أسئلة صعبة حول مستقبل السياسة الهندية في أفغانستان، لا سيما في ظل غياب الولايات المتحدة، وعلى غرار واشنطن وجهات دولية أخرى، يبدو أن الاستخبارات الهندية فوجئت أيضاً بتقدّم «طالبان» السريع، فانطلقت اليوم جهود عاجلة لإنقاذ العمال الهنود في أفغانستان، ويبدو أن صانعي السياسة الهنود يجدون صعوبة في تحديد الخطوات المقبلة. لم يُصدِر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أي تصريح حول «طالبان» بعد، مع أنه معروف بمواقفه القوية، لكن وزارة الشؤون الخارجية أصدرت بيانات عامة تُركّز على «مراقبة الوضع في كابول» من دون ذكر «طالبان» مباشرةً.على صعيد آخر، أصبحت المخاوف السياسية المحلية واضحة في الهند، فبعدما بذلت الحكومة الهندية جهوداً مكثفة لبناء علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، من الضروري أن تنقذ هذه العلاقة حفاظاً على صورتها، كذلك ركّزت الهند بشكلٍ خاص على الدور التخريبي الذي أدته باكستان في أفغانستان ودورها المزعوم في الإرهاب داخل الهند، حيث تتكل حكومة مودي تحديداً على تعزيز خطاب الأمن القومي تجاه باكستان للحفاظ على شعبيتها محلياً، لكن في ظل توسّع «طالبان» المدعومة من باكستان في أفغانستان، تبيّن أن هذا الخطاب له تداعيات كارثية على الهند. من الواضح أن هذه المرحلة ستكون صعبة على العلاقات الهندية الأفغانية، لكن لم يتضح بعد ما تنوي الهند فعله لاسترجاع علاقتها مع «طالبان» وإنقاذ المشاريع القائمة، بما في ذلك مشروع بناء ميناء «جابهار» الذي تأخّر تنفيذه أصلاً، ومع انهيار الحكومة المدنية في أفغانستان، هل ستقدّم الهند دعمها إلى خصوم «طالبان» مجدداً كما فعلت مع الحلف الشمالي؟ لكن رغم جميع الخطابات الرنانة والحسابات السياسية المتوقعة خلال الأشهر المقبلة، أصبحت المخاوف الأكثر إلحاحاً واضحة، ويجب أن تُركّز الهند والمجتمع الدولي عموماً على المخاوف الإنسانية التي يعيشها الشعب الأفغاني، لا سيما تلك التي تنوي «طالبان» استهدافها على الأرجح.