تُـرِكَ الفساد فسادَ!
من الخطأ الاعتقاد بأن الرقابة المشددة وحدها هي الحل السحري لمكافحة الفساد؛ لأن الجهود الإدارية والنصوص القانونية لا يمكن أن تحقق أهدافها الإصلاحية من غير تعزيز منظومة القيم المجتمعية والدينية.
![د. بلال عقل الصنديد](https://www.aljarida.com/uploads/authors/279_1682431680.jpg)
من الخطأ الاعتقاد أن الرقابة المشددة وحدها هي الحل السحري لمكافحة الفساد، ويدخل في خانة التمني أن الحزم والجزم في إصدار وتطبيق القوانين الصارمة هما الرادع المنجي. فرغم الأهمية القصوى لما سبق يبقى الفاسدون أكثر دهاء وخبرة وقدرة على تخطي أي نوع من أنواع الرقابة وربما المساءلة، لا بل إن تشديد الرقابة وتعدد طبقاتها قد يعرقلان مهام الإصلاح ويصعّبان جهود التنمية، كما أن شبكة الفساد قد تشمل المسؤولين عن تطبيق القانون، مما يفتح المجال أمام تفشي الفساد على غاربه. وعليه فإن الجهود الإدارية والنصوص القانونية لا يمكن أن تحقق أهدافها الإصلاحية من غير تعزيز منظومة القيم المجتمعية والدينية. قد يستخف البعض بأهمية القيم الأخلاقية في زماننا، ولكن التاريخ والواقع يثبتان أن ثمار التطور الفكري والتقدم التكنولوجي وجهود الإصلاح تبقى فجة ومن غير مذاق إذا لم تعزز بجرعة مغذيات مجتمعية تتشارك فيها المبادئ الدينية والصدق والأمانة والعدل والحياء والوطنية.ومن هنا يبرز دور «راعي» الديوانية في مجلسه، وكبير القوم بين «ربعه»، ويتجلى دور الخطيب في مسجده، والمدرّس في صفّه، وولي الأمر في بيته وبين أسرته، وهنا تتجلى مسؤولية كل فرد منّا تطبيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول».فعندما تعم «ثقافة» الفساد لا أحد يستطيع توقيفها، وعندما يستسهل المجتمع أسلوب التبرير فلن يحصد إلا ما زرعه. فإن برر المضطر لنفسه تورطه في رشوة المعرقل، فإن التهرب الجمركي والتنصل الضريبي والالتفاف على القوانين النافذة والتغاضي عن الواجبات الوظيفية والوطنية، ومجاملة الأسرة والشلة والمعارف على حساب المصلحة العامة، كلها مسؤوليات فردية، لا تتطلب وجود شريك مقابل، ولا يمنعها أو يحد من تفشيها إلا منظومة القيم الأخلاقية والدينية.*كاتب ومستشار قانوني