وسط قلق حول المسار الديمقراطي ومطالب بـ"خريطة طريق" للمرحلة المقبلة، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد أمراً رئاسياً قضى بتمديد العمل "حتى إشعار آخر" بقرار تعليق أعمال البرلمان الذي كان أصدره في 25 يوليو الماضي وجمّد بموجبه لمدّة 30 يوماً عمل السلطة التشريعية.وقبل انقضاء مهلة الثلاثين يوماً، قالت الرئاسة في بيان مقتضب عبر "فيسبوك"، ليل الاثنين- الثلاثاء، إنّ سعيّد "أصدر أمراً رئاسياً يقضي بالتمديد في التدابير الاستثنائية المتّخذة بمقتضى الأمر الرئاسي المتعلّق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبرفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضائه، إلى إشعار آخر.
وأضاف بيان الرئاسة أنّ سعيّد "سيتوجّه في الأيام المقبلة ببيان إلى الشعب".وتعليقاً على الإجراء، قال الباحث في العلوم السياسية محمد أمين العاقل، إن "المبادرة لا تزال بيد رئيس الجمهورية إلى حين تركيز محكمة دستورية" موضحاً أن "إحداث المحكمة الدستورية يتطلب برلماناً يصادق على ثلث تركيبتها، ما يعني أن النية قد تتجه مستقبلاً لإعلان حل البرلمان الحالي المنتهي سياسياً، والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة".أما المحلل السياسي محمد العلاني، فاعتبر أن "قرار سعيد أنهى البرلمان سياسياً في انتظار إجراء قانوني ينهي هذه الدورة النيابية بصفة رسمية، ويتقرر معها الدعوة إلى انتخابات مبكرة".
تغييرات «النهضة»
ووسط استمرار حالة الانقسام السياسي بشأن التدابير الاستثنائية التي فرضها سعيد وتسبب في حرج كبير للأحزاب لاسيما حركة "النهضة"، أكبر الأحزاب تمثيلاً في البرلمان والغريم الأول لرئيس الجمهورية، أعلنت الأخيرة في بيان أن الغنوشي، قرر إعفاء كل أعضاء المكتب التنفيذي وإعادة تشكيله "بما يستجيب لمقتضيات المرحلة ويحقق النجاعة المطلوبة".ودعا الغنوشي أعضاء المكتب إلى تنفيذ مهامهم حتى تشكيل المكتب الجديد. وأوضح أن محمد القوماني سيواصل العمل في رئاسة لجنة إدارة الأزمة السياسية من أجل المساهمة في إخراج البلاد من الوضع الاستثنائي الذي تعيشه.الجدير بالذكر أن الغنوشي كان قد هاجم قرارات سعيد ووصفها بـ"الانقلابية" لكنه عاد لاحقاً لاعتبارها فرصة من أجل الإصلاح.قشرة وصمود
في غضون ذلك، رفضت رئيسة "الحزب الدستوري الحر"، عبير موسي، ما وصفته بـ"استغلال الأزمة السياسية التي أدت إلى اتخاذ التدابير الاستثنائية لتمرير برنامج توافق من نوع جديد يكون فيه الاخوانجية (الاخوان المسلمين) طرفاً بعد تغيير قشرتهم الخارجية".وطالبت النائبة البرلمانية الرئيس التونسي بخطاب واضح حول برنامج المرحلة المقبلة، ودعت إلى توضيح فحوى اللقاءات مع الوفود الدبلوماسية الأجنبية وتوضيح إن كان هناك تدخل في السيادة الوطنية.في المقابل، أكد القيادي في "النهضة"، عبداللطيف المكي، أنه يثمّن "صمود رئيس الجمهورية أمام الضغوط الكبيرة عليه للذهاب في سيناريوهات سيئة وعنيفة''.وقال عبر "تويتر" أمس: "إنّ سفينة تونس سترسو على شاطئ السلام".لا مفاجأة
ولا يشكل هذا قرار سعيد مفاجأة. فإلى جانب تمديد تعليق أعمال البرلمان، كان محللون يتوقعون إعلان الرئيس اتخاذ تدابير جديدة لطمأنة الرأي العام والأسرة الدولية.ومنذ إعلانه التدابير الاستثنائية قبل شهر لم يقدّم سعيّد حتى اليوم "خريطة الطريق" التي وعد بها وطالبت بها الكثير من المنظمات النقابية والأحزاب السياسية في البلاد فضلاً عن دول أجنبية، كما أنّه لم يعيّن بعد رئيساً للوزراء.ورحب كثير من التونسيين بإجراءات سعيد بعدما سئموا من الطبقة السياسية وينتظرون تحركاً صارماً لمكافحة الفساد والإفلات من العقاب في بلد يعاني من أزمة اجتماعية واقتصادية وصحية صعبة جداً.ومع أن الرئيس يتمتع بشعبية واسعة لكن التدابير التي اتخذها تثير قلق الأسرة الدولية التي تخشى أن تخرج البلاد مهد "الربيع العربي"، عن المسار الديمقراطي.تراجع ومخاوف
في غضون ذلك، ارتفعت أصوات محذرة من أن سعيد لا ينوي العودة إلى الحياة البرلمانية وسط تكهنات بأن الأمور تتجه نحو "وضع نهاية لدستور 2014" الذي يرى منتقدوه أنه يخلق إشكاليات عملية بتوزيع الصلاحيات بين البرلمان ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.وقال المحلّل السياسي صلاح الدين الجورشي:"إن ما يُخشى الآن هو أن يصبح الاستثناء قاعدة وهو ما يعني أن رئيس الجمهورية لا ينوي العودة إلى ما قبل تاريخ الإجراءات الاستثنائية التي تضمنت إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وإلى الحياة البرلمانية وأنه لن يكون هناك دستور بالمعنى الذي انبثق عنه في 2014".وأثارت حملة مكافحة الفساد التي باشرها سعيد منذ تعليق أعمال البرلمان القلق والخوف من تراجع الحريات.وشملت عمليات التوقيف مسؤولين سابقين ورجال أعمال وقضاة ونواباً واتخذت إجراءات منع سفر وإقامة جبرية بقرار من وزارة الداخلية فقط على ما ندد مدافعون عن حقوق الإنسان.وأمس الأول، قال مصدر بوزارة الشؤون الدينية، إن إمام مسجد في مدينة بن قردان التابعة لولاية مدنين جنوبي البلاد، جرى عزله من مهامه نهائياً بعد أن نعت في خطبة الجمعة سعيد بـ"الإنقلابي".