بينما يترقب العالم أن يحسم الرئيس الأميركي جو بايدن قراره بشأن مقترح إرجاء انسحاب قواته من أفغانستان، وسط انقسام غربي واصلت في الوقت نفسه مساعيها لتشكيل نظام يقود البلاد، إذ عينت وزراء بالوكالة، وقالت إنها ستعيد هيكلة القوات الأمنية، وسربت معلومات حول نيتها تشكيل مجلس حكم يتألف من 12 عضواً تشكل فيه الأغلبية، سيقود أفغانستان.وأوضح مصدر في الحركة، أن أقوى 3 أشخاص في مجلس القيادة، سيكونون الملا عبدالغني برادر، والملا محمد يعقوب نجل مؤسس الجماعة الملا محمد عمر، وخليل الرحمن حقاني زعيم «شبكة حقاني» الارهابية والمسؤول عن بعض أكثر الهجمات شراسة خلال العشرين عاماً الماضية، والمُدرج على القائمة السوداء من الأمم المتحدة والولايات المتحدة، اضافة إلى رئيس مجلس المصالحة الوطنية عبدالله عبدالله، والرئيس السابق حميد كرزاي، ووزير الخارجية حنيف أتمار وقلب الدين حكمتيار (زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني، وعضو المجلس التنسيقي لانتقال السلطة سلمياً في أفغانستان)».
وأفاد المصدر أيضاً بأن المجلس لن يضم الرئيس أشرف غني، الذي فر من البلاد، وبأن المفاوضات جارية لاختيار أعضاء المجلس الخمسة المتبقين، مشيراً إلى أنه من غير المرجح أن يدخل في هذه الهيئة الحاكمة، الجنرال عبدالرشيد دوستم الذي ينتمي إلى الاقلية الطاجيكية، ومحمد نور.وقال المتحدث باسم «طالبان» سهيل شاهين، إنه من المتوقع أن يصل برادر ويعقوب إلى كابول، ليتسلما منصبيهما الجديدين في القصر الرئاسي في غضون أيام.في سياق متصل، نقلت مجلة «فورين بوليسي» عن «مصادر مطلعة»، أن كلا من برادر والملا يعقوب يعملان على ضم أحمد مسعود، نجل أحمد شاه مسعود، والذي يعارض الحركة، إلى مجلس الحكم. وأشارت المجلة إلى أن «طالبان» ستتجنب إنشاء مناصب كبرى من قبيل الرئيس وحتى منصب «الأمير»، وهو اللقب السابق لقادة طالبان بمن فيهم الملا عمر.
وبعد يوم على تعيين حاكم بالإنابة للمصرف المركزي، ذكرت وكالة «بجواك» للأنباء، أمس، أن الحركة عينت جول أغا وزيراً جديداً للمالية ونجيب الله مديراً للمخابرات وصدر إبراهيم قائماً بأعمال وزير الداخلية، مشيرة إلى أن الملا شيرين، سيكون حاكماً لكابول وحمد الله نعماني رئيساً لبلدية العاصمة كما تم تعيين أحد المعتقلين السابقين في سجن غوانتانامو الأميركي حاكماً لإحدى المحافظات.
بنجشير
في سياق متصل، قال الناطق باسم المكتب السياسي للحركة محمد نعيم، إن الحركة لا يمكنها القبول ببقاء منطقة بنجشير خارج سيطرتها، لأنها أرض أفغانية.وأكد أن الحركة رغم إرسالها مقاتلين إلى بنجشير لا تريد القتال، وتسعى لتسوية المشاكل بالطرق السلمية. وفي وقت لاحق طالب المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد الموجودين في بنجشير بتسليم أسلحتهم.عمليات الإجلاء
ووسط ضغوط أوروبية على واشنطن لتمديد الوجود العسكري الأجنبي في أفغانستان إلى ما بعد 31 أغسطس لاستكمال إجلاء جميع الأجانب والأفغان الذين يرغبون بالرحيل، كثف الأميركيون أمس، جهودهم لإجلاء آلاف الأفغان والأجانب من كابول في أقرب وقت ممكن بعدما حذرت «طالبان» من أنها لن تقبل بتمديد الموعد.ونصحت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بايدن باتخاذ قرار بتمديد مهمة الإجلاء إلى ما بعد 31 أغسطس، مشيراً إلى أن 5800 جندي يتعين سحبهم.وفي حال وافق بايدن، يتوقع الجيش «أياماً قليلة إضافية» لمحاولات إجلاء أكبر قدر ممكن من الناس قبل البدء بسحب القوات.وكشفت «فورين بوليسي»، أمس، أن الجيش الأميركي سيبدأ انسحابه من أفغانستان الجمعة المقبل.في المقابل، حذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أمس، من أن «المهلة المتبقية لن تكون كافية لإجلاء كل الذين نريد إخراجهم» من البلاد. واعتبرت باريس أنه من «الضروري إعطاء مهلة إضافية»، إلا أن وزير الدفاع البريطاني بن والاس قال أمس، إنه «من غير المرجح» أن تقوم الولايات المتحدة بتمديد الموعد.من جهتها، أعلنت الحكومة الإسبانية أنها تبذل كل جهودها لإجلاء أكبر عدد ممكن من الناس لكن «سيبقى أشخاص في المكان» لأسباب خارجة عن إرادتها.بيرنز وبرادر
وفي لقاء هو الأعلى مستوى بين مسؤول أميركي وآخر في الحركة المتطرفة منذ عادت إلى السلطة، عقد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA وليام بيرنز اجتماعاً في كابول، أمس الأول، مع نائب زعيم «طالبان» الملا عبدالغني برادر، وفق صحيفة «واشنطن بوست».ويدل قرار الرئيس الأميركي جو بايدن إيفاد بيرنز المعروف بأنه الأكثر حنكة بين دبلوماسييه، إلى كابول على فداحة الأزمة التي تشهدها إدارته في مواجهة عمليات الإجلاء الفوضوية من العاصمة الأفغانية لآلاف الأميركيين والأفغان. وكشفت وسائل إعلام أميركية أن المحادثات بين برادر وبيرنز تناولت مهلة عمليات الإجلاء والأوضاع ما بعد 31 أغسطس.روسيا
وفي موسكو، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، إن بلاده والصين والولايات المتحدة وباكستان مستعدة للوساطة في حل الأزمة في أفغانستان.وذكر في الوقت نفسه أن روسيا تعارض فكرة السماح للاجئين الأفغان بدخول منطقة آسيا الوسطى التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، الواقعة بين روسيا وأفغانستان، مشدّداً على أن بلاده «غير مستعدة لرؤية عسكريين أميركيين ينتشرون في دول آسيا الوسطى بعد انسحابهم من أفغانستان». بدورها، أفادت الخدمة الصحافية للمنطقة العسكرية المركزية في الجيش الروسي بأن روسيا عزّزت قاعدتها العسكرية في طاجيكستان بدفعة كبيرة من أنظمة الصواريخ الجديدة المضادة للدبابات «كورنيت».على صعيد آخر، نفت السلطات الأوكرانية والإيرانية، أمس، اختطاف طائرة نقل أوكرانية من مطار كابول وتوجهها إلى طهران.وفي وقت سابق، أعلن نائب وزير الخارجية الأوكراني يفغيني ينين أن «مجموعة مجهولة الهوية اختطفت طائرة أوكرانية من مطار كابول وتوجهت بها إلى إيران الأسبوع الماضي».6 أخطاء استراتيجية أفشلت واشنطن في أفغانستان
أثار الصعود السريع لحركة «طالبان»، وتمكنها من بسط سيطرتها على معظم أفغانستان قبل الموعد الذي قررته الولايات المتحدة لإكمال سحب قواتها من البلاد أسئلة عديدة حول أسباب الفشل الأميركي في هذا البلد.ويرجع المحلل السياسي الباكستاني محمد عبدالباسط، المختص في العلاقات الدولية، في مقال له بمجلة «ناشونال إنترست» هذا الفشل إلى أخطاء إستراتيجية ارتكبتها الولايات المتحدة على مدى العقدين الماضيين، وهي كما يلي:دعم المجاهدين
يرى الكاتب أن إسهام الولايات المتحدة في نشأة المجاهدين بأفغانستان خلال الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي، وبنية التخلص منهم لاحقاً، كان خطأ إستراتيجيًا وسوء تقدير كبير، فقد خرج المجاهدون عن السيطرة فيما بعد، وأصبح أسامة بن لادن وقادة آخرون ممن كانوا رصيدا إستراتيجيا للولايات المتحدة من قبل عدوها الأكبر.الحرب على العراق
يقول الكاتب إنه بعد عامين فقط من تورطها في أفغانستان أقدمت واشنطن على غزو العراق عام 2003، وقد كانت إدارة حربين قاسيتين في الوقت نفسه بدون إستراتيجية طويلة الأمد فشلا بحد ذاته.التنمية
أما الخطأ الإستراتيجي الثالث الذي أنتج الوضع الحالي في أفغانستان، حسب الكاتب، فهو فشل الولايات المتحدة في تطوير المؤسسات الأفغانية، حيث اكتفت على مدى 20 عاماً بتسيير الأمور من دون الالتفات إلى التنمية والتطوير.افتقار الحكومة إلى الشرعية
من بين العوامل التي أسهمت في انتصار «طالبان»، افتقار الحكومة الأفغانية إلى الشرعية، حسب تعبير الكاتب الذي أشار إلى أن بيتر غالبريث، النائب السابق لمبعوث الأمم المتحدة إلى أفغانستان، سبق أن صرح بأن ولايتي الرئيس الأفغاني أشرف غني، ورئاسة حامد كرزاي كانتا نتيجة انتخابات مزورة.أزمة اللاجئين
من بين أخطاء الولايات المتحدة الأخرى في أفغانستان، حسب ما يرى الكاتب، أن خطة الانسحاب التي وضعتها لم تأخذ في الحسبان احتمال أن يؤدي ذلك إلى أزمة لجوء كما يحدث الآن.الانسحاب بدون اتفاق سلام
أما السبب السادس والأخير، فهو أن انسحاب الولايات المتحدة، بدون التوصل إلى اتفاق سلام مقبول فيما يتعلق بإدارة الحكم، كان من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفكك الجيش الأفغاني وعجزه عن الاحتفاظ بمواقعه.