لم نكن نتوقع!
بعد عشرين سنة عادت أفغانستان لحكم طالبان، ولم يتبقَّ للمعنيين بالأمر إلا الافتراضات، والتكهنات، وكيف جرى ما جرى؟! انتهاءً بأننا "لم نكن نتوقع" ما جرى. هكذا يخرج علينا رئيس أقوى دولة، ووزير خارجيته، ووزير دفاعه، بكل ما لديهم من معلومات، ليقولوا: لم نكن نتوقع كذا. هناك احتمالان؛ إما أنهم يكذبون، وهو أمر اعتيادي في السياسة الدولية، كما جاء في كتاب "لماذا يكذب القادة؟"، والذي ترجمته ونشرته "عالم المعرفة" وقصد مؤلفه جون ميرشيمر الساسة الأميركان، أو أنهم فعلاً لم يتوقعوا ما حدث، وهو ما قد تفسره نظرية "فائض القوة"، الذي يجعل صاحب القوة المفرطة يستخدمها لذاتها لا لهدف استراتيجي ولا لخطة موضوعة. وقد اتضح لي الكثير من ذلك، من خلال معاينة مباشرة على الأرض، للسلوك الأميركي في الصومال، وأفغانستان، والعراق. كما اتضح أيضاً أن أميركا قادرة على استيعاب الفشل وتجاوزه، حتى المدوي منه.لم يعد مهماً إنْ كانت طالبان تغيرت أو لم تتغير، فذلك ستحكم عليه الشهور وربما الأعوام القادمة. أيام ضائعة، كما ضاع غيرها على الشعب الأفغاني، وأكثر من 3 ملايين لاجئ.لا يوجد حالياً اهتمام يذكر بمستقبل أفغانستان، ولكن بكيفية إخلاء الأجانب والأفغان الذين يريدون الخروج، والفوضى العارمة بالمطار.
فما إن ينتهي الإخلاء ستطفأ الأضواء الإعلامية عن أفغانستان، كعادة الأشياء، وسينساها الناس، كما نسوها قبل 2001 وبعد 2001 ، ولم تعد للظهور مجدداً، إلا مع إعلان أميركا ترامب نيتها الانسحاب، والبدء بالتفاوض. وسيذهب هواة نظرية المؤامرة بعيداً في تفسيرهم لما جرى، وما سيجري، وسنسمع أغرب القصص عن كيف انتهت الأمور إلى ما انتهت إليه. سينتهي فصل من الفصول الأفغانية، ليبدأ فصل آخر، فما بعد الثورة تأتي الدولة، بكل تعقيداتها، وستتحمل الدولة الجديدة أعباء التنمية بنفسها، وسيفرح أعداء أميركا، كما سيفرح بعض الإسلاميين، استناداً إلى أن ما حدث كان نصراً للإسلام على أعدائه، هكذا.ليفرح من يفرح، ويزعل من يزعل، إلا أن ما تمت صناعته بعد غزو أفغانستان قبل ٢٠ سنة، يتجاوزه بمراحل، حيث تمت صناعة قضيتين دوليتين، مازالتا تؤثران سلبياً على المستوى الدولي، وهو ما سنتابعه لاحقاً.