تساءل سياسي موصلي بارز عن الموقف العراقي الرسمي غير المبالي باجتياح حركة «طالبان» السريع للمدن الأفغانية، قائلاً إن كثيراً من قادة العراق يجادلون وكأننا نقف على أرض صلبة، بينما نجد السجالات متواصلة في البلدان الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، فضلاً عن إيران والدول المستقرة في الخليج.

ويشكك القادة العراقيون السنة في إمكانية أن يؤدي الحدث الأفغاني إلى تشجيع «داعش» على القيام بمحاولة مماثلة في العراق، حيث الأغلبية السنية شمالاً، رغم أن التنظيم سبق أن اجتاح تلك المناطق عام 2014 أسرع من «طالبان» ومن دون قتال يذكر، مما اضطر القوات العراقية إلى خوض معارك على مدى ثلاثة أعوام لتحريرها، مستعينة بتحالف دولي تقوده الولايات المتحدة.

Ad

أما القادة الشيعة، فإن كثيراً منهم ينظر إلى التهديد من زاوية الفصائل الشيعية التي باتت تمتلك معسكرات وتسليحاً متقدماً وموازنة كبيرة من الدولة تحت مسمى «الحشد الشعبي»، وتنتشر من البصرة حتى الموصل شمالاً، في حين تتمرد بشكل دائم على أوامر قيادة القوات المسلحة.

ولم يُخفِ الكثير من أنصار الفصائل شعورهم بالحماس لما حصل في أفغانستان، قائلين إن انسحاب القوات الأميركية من العراق والمتفق عليه نهاية العام الحالي، سيوجب التعامل مع حلفاء أميركا العراقيين، والتدخل لتصحيح أداء الحكومة.

وسبق للميليشيات أن هددت بإطاحة حكومة مصطفى الكاظمي مرات عدة، كما اقتحمت منطقة القصر الجمهوري نهاية مايو الماضي، إثر اعتقال قيادي في الفصائل بتهمة التورط باغتيالات، وهي مواجهة حادة بين الدولة والميليشيات وضعت سيناريو الحرب الداخلية على الطاولة مراراً.

وتستبعد أطراف عراقية تورط الميليشيات في إسقاط حكومة يهيمن عليها قادة من المذهب الشيعي ذاته، إلا أن الأمر أكثر تعقيداً من تصادم مصالح في الجنوب، فنفوذ الفصائل في الشمال العراقي أحدثَ ثغرات في خطط الأمن، يمكن لتنظيم داعش استغلالها لتكثيف هجماته المتصاعدة في الآونة الأخيرة، خصوصاً شمال بغداد.

ويقول خبراء إن سياسة الفصائل مع الأهالي في مدن مثل الموصل تؤدي لتخريب العلاقة بين السكان ومؤسسات الدولة، وهو أمر يشجع «داعش» على تأليب الناس ومحاولة كسب الأنصار، كما أن الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على إقليم كردستان، أدى إلى تعقيد الشراكات الأمنية مع بغداد، التي تتفق مع الأكراد على أن جزءاً من الفصائل يتورط في هذه الهجمات غير المسبوقة.

ويؤشر المراقبون إلى خطر آخر هو السجال غير المنتهي على موعد الانتخابات المقررة في أكتوبر، حيث يقاطعها معظم التيار المدني والشيوعيون وتيار مقتدى الصدر وحراك شعبي واسع، بينما أبرز مؤيديها كتل متحالفة مع الفصائل المسلحة.

وتخشى أوساط سياسية في بغداد، ودينية في النجف، تصاعد الخلاف بين الفصائل والمقاطعين، بنحو يؤدي إلى إلغاء الانتخابات أو الطعن الواسع لاحقاً بشرعية نتائجها. وكل هذا الخلاف يسير بنحو متوازٍ مع استغلال إيران للملف العراقي، في حوارها المتلكئ مع الغرب بشأن العقوبات والمسألة النووية.

وتدعم الميليشيات العراقية نهجاً متشدداً في تطبيق الشريعة، وتبني شبكة ولاءات عبر اقتصاد موازٍ ومافيا فساد متشابكة، لكنها تواجه، على غرار تنظيم داعش، معارضة منظمة، خصوصاً من المرجعيات الدينية وتيارات حراك تشرين الشعبي، وهي أطراف تلجأ إليها حكومة الكاظمي في أوقات كثيرة لتعزيز موقف القوات المسلحة النظامية وضمان عدم انقسام الجيش أو تردده، في حال التصعيد بين الدولة والمسلحين.

محمد البصري