حسناً فعلت قطر برفع رواتب أعضاء مجلس الشورى المرتقب، والذي سيتم بالانتخاب من قبل المواطنين لا بالتعيين، والأرقام التي أوردتها وكالات «الأنباء» بحدود 25 ألف دولار أميركي للعضو شهرياً.

النواب القادمون إلى هذا المجلس سيمثلون «الأمة»، كما هو حال النواب في الكويت، والدول التي تأخذ بالنظم الديموقراطية، أي أن هذا النائب سيضطلع بمسؤوليات تشريعية ووطنية تستلزم منه التفرغ الكامل على حساب يومه، وحياته، وأسرته.

Ad

بعض البرلمانات العربية والخليجية قدمت نماذج سيئة جداً لصورة «النائب» كأنه «مشروع حرامي»، على حد تعبير الزميل نزار عثمان في «السياسة»، لذلك بات ينظر إلى المنتخبين من الشعب لتمثيلهم على أنهم «تجار سياسة»، فمن يصل إلى هذا الكرسي فسيحظى بامتيازات تجعله «مليونيراً» قادماً!

في الأدبيات السياسية يجري تصنيف النواب إلى عدة فئات، والأكثر رواجاً هم نواب الخدمات، أي البيزنس والتكسب، حيث تحولت مهنة النيابة إلى باب للتجارة وزيادة الأرصدة في البنوك.

البعض يعتقد أن النائب يحتاج إلى حماية اجتماعية ومالية بالدرجة الأولى، أي أنه يحصل على ما يغطي احتياجاته كاملة ويفيض عنها، وبذلك تبعده عن اللجوء إلى أساليب التربح والتكسب.

بمعنى إذا توافر لهذا النائب، بحسب مستويات المعيشة في بلده، مدخول مالي، فإنه يجعله محصناً من إغراءات الإتجار بالمعاملات والبشر، وهذا يعني أنك وضعته في حارة الأمان الاجتماعية، وأبعدته عن السقوط في متاهات الفساد والعمولات والسمسرات.

للأسف البعض من النواب دخل حلبة العمل النيابي وعينه على البيزنس والرصيد البنكي، لذلك سيكون العمل بإعادة النظر في موضوع رواتب الأعضاء بمثابة الخطوة الصحيحة والضرورية لتصحيح الصورة المشوهة.

الحقيقة أن الحاجة إلى التكسب المالي والغنى السريع تغري من هم في مواقع النواب، وفي مواقع أخرى، تفترض الحيادية وممارسة وظائفهم بصورة عادلة ومتوازنة تحفظ حقوق الناس، وتدافع عنهم، وتحترم القوانين وتلتزم بها.

السؤال، إذا لم يكن القاضي مكتفياً ومرتاحاً مادياً فكيف سيصدر أحكامه؟ إذا لم يكن الصحافي قادراً على تأمين أسرته والعيش وسط ظروف اقتصادية صعبة، فكيف يمكنه ممارسة مهنته بحيادية؟ إذا لم يكن النائب متمتعاً بمدخول مالي يجعله مستقلاً وحراً فكيف تطلب منه ألا يتحول إلى مخلِّص معاملات أو غسيل الأموال؟

في هذا المقام ينقل عن صاحب جريدة «النهار» اللبنانية، الأستاذ الراحل غسان تويني، أن له تجربة ناجحة على صعيد رواتب المحررين عنده، حيث كان أي محرر لديه يتقاضى أعلى راتب مقارنة بالعاملين في الصحف الأخرى، وهذا ما أوجد حالة من الغضب عند أصحاب الصحف، الذين كانوا مضطرين إلى مجاراته، وعندما سألوه عن السبب قال: إذا لم أحم هذا المحرر مالياً فسيتعرض للابتزاز والشراء من أصحاب المصالح، ولهذا أسعى لأن يكون حراً وصادقاً، وعلى الأقل أحميه من فساد السياسيين وغيرهم!

الموضوع ليس جديداً، فقد تطرق إليه العديد من أصحاب الرأي والكلمة... وكان السؤال على الدوام، من يحاسب النواب عن فسادهم السياسي؟ وبالأحرى كيف نحمي النواب من الفساد المالي والسياسي؟ هل برفع الراتب وتحسين أحواله المعيشية أم بتفعيل أدوات الرقابة أم برفع وعي الناخب ودفعه إلى حسن الاختيار وتمكينه من محاسبة من انتخبه؟

نسمع الكثير عن الفساد السياسي وخطورته، لكن لم تكن محاولات الإصلاح جادة بما فيه الكفاية، بقيت في حدود «الرقابة الناعمة»، وإن كانت اللعبة السياسية توسعت دائرتها لتدخل الحكومات في سوق الشراء والبيع، وتزيد الفاسد جرعات إضافية.

الظاهرة اللافتة أن قوانين مكافحة الفساد والمؤسسات المعنية بهذا المرض المستعصي لم تحد منه، بل زادت معدلاته عن السابق.

لم يعد الإصلاح البرلماني أولوية في أجندة الإصلاح السياسي، فالأنظار اتجهت إلى شرائح أخرى، وأهملت هذا الجانب، في حين أن هرم الفساد يبدأ من صندوق الانتخاب، فإن صلح هذا «البيت» فقد يصلح ما عداه، مادامت الديموقراطية كانت سبيلاً للنظام ومرتكزاً للعملية السياسية.

ماذا سيبقى من الديموقراطية إذا لم يكن أحد أركانها خالياً من الفساد والرشوة؟ بالأمس أقدم الرئيس التونسي على عزل رئيس الحكومة وتعليق عمل البرلمان، والسبب تردي الأحوال الاقتصادية، وتفشي الفساد والشلل السياسي، وكانت الخطوة أشبه بـ«ثورة على الفساد»، وإن ظهرت أصوات تحذر من مستقبل النظام الديموقراطي والتحول نحو الدكتاتورية!

أخطر من السرطان أن يُترك الفساد السياسي طليقاً، والأخطر منه أن يطال من «يمثل الأمة».

● حمزة عليان