يقول رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في جميع المناسبات: "نستطيع بذل جهود إضافية دوماً"!

هل يمكن وضع حدّ لطرق استغلال البنوك لأصحاب المنازل الأكثر تضرراً من فيروس كورونا؟ الجواب: لا، لكن "نستطيع بذل جهود إضافية دوماً! وسنحرص أيضاً على جعل شركائنا الماليين جزءاً من الحل كي يتجاوز الكنديون هذه المحنة".

Ad

هل يطلب الفيلق الملكي الكندي 30 مليون دولار لإنقاذ الوحدات المتهالكة؟ يكفي أن يتلقى نصف هذا المبلغ على ما يبدو، ثم يضيف ترودو: "نستطيع بذل جهود إضافية دوماً"!

هل يمكن جلب مياه شرب نظيفة أخيراً إلى مناطق السكان الأصليين كلها؟ لقد مرّت المهلة النهائية التي حدّدها ترودو بنفسه وتعيش 33 جماعة حتى الآن من دون مياه آمنة وصالحة للشرب، وتعليقاً على الموضوع، صرّح ترودو لمجلة "ذا سبرول": "نحن نعترف طبعاً بضرورة بذل جهود إضافية كثيرة".

هل ننهي ثقافة المضايقات في صفوف القوات الكندية؟ تورط المسؤولون في أعلى المراتب بمخالفات كثيرة وكان الوزير الذي عيّنه ترودو يعرف بها، لكن يُصرّ رئيس الوزراء على موقفه ويقول: "نستطيع بذل جهود إضافية دوماً"!

هل تتصاعد الدعوات إلى التنديد بظاهرة الإسلاموفوبيا بجميع أشكالها بعد الاعتداء على عائلة مسلمة في لندن ومقتل أربعة أشخاص؟ لم يقرر ترودو في الحد الأدنى أن يحارب القانون 21 المشين في كيبيك، بل اكتفى بقول: "نستطيع بذل جهود إضافية دوماً"!

هل تتصاعد الدعوات إلى تقديم دعم إضافي لمساعدة جماعات السكان الأصليين على اقتلاع قبور مجهولة في مواقع المدارس الداخلية؟ يقول ترودو: "نستطيع بذل جهود إضافية طبعاً وأظن أننا سنتخذ خطوات أخرى في هذا المجال". وفي ظل تنامي الضغوط لوقف اعتقال الناس بتهمة حيازة المخدرات تزامناً مع تفشي آفة التسمم بسبب المخدرات في كندا، يقول ترودو: "نعرف أننا مضطرون لبذل جهود إضافية"، فماذا عن التغير المناخي والتجارة الدولية ودعم العائلات؟ "يجب أن نبذل جهوداً إضافية طبعاً... سنجد ما نفعله دوماً".

لقد أثبت ترودو، منذ وصوله إلى السلطة قبل ست سنوات، براعته في إقناع الجميع بأن الحكومة لا تكف عن التحرك، حتى في أوقات الراحة.

لكن بعد وجوده في السلطة طوال ولايتَين متلاحقتَين وفي ظل سعيه إلى الفوز بولاية ثالثة، لا بد من التساؤل عن أسباب المهام غير المنجزة وطبيعة الإنجازات التي تحققت فعلاً.

على مستوى الأولويات السياسية التي حددها ترودو بنفسه أو مجموعة الأزمات المتنامية التي يواجهها البلد، لطالما كان تقدّم هذه الحكومة جزئياً أو بطيئاً أو معدوماً.

كانت المهام المطلوبة أكبر من أن تنفذها حكومته أحياناً، وأصبح إصراره القوي على أن يشهد عام 2015 آخر انتخابات بموجب "نظام الفائز الأول" نكتة متداولة اليوم، إذ نتّجه راهناً إلى ثاني انتخابات مبنية على النظام الذي يفيد حزبه على ما يبدو، لأن اختبار نظام آخر يتطلب جهوداً مفرطة وقراراً لا يمكن أن يتخذه الكنديون بأنفسهم.

ينطبق المبدأ نفسه على التزامه بالاكتفاء بعجز صغير قبل إعادة التوازن إلى الميزانية في عام 2019، فقد أحدث أكبر عجز في عهده حتى الآن خلال تلك السنة الانتخابية، ولا شك أن نزعته إلى الإنفاق تفوّقت على رغبته في تنفيذ وعده، وفي الفترة الأخيرة، أدى وباء كورونا إلى زيادة مستوى ذلك العجز.

كذلك، لم تُطرَح أي خطة لإطلاق حقبة جديدة من شفافية الحكومة، علماً أن الخطط الرامية إلى توسيع نظام الوصول إلى المعلومات في مكاتب الوزراء تبخرت منذ وقت طويل. لقد أدركت حكومته أن السرية تبقى أسهل من الأهداف المعقدة التي طرحتها سابقاً لمحاسبة المرتكبين.

على صعيد آخر، لم يُحدد ترودو قوانين العمل في كندا كما تعهد سابقاً، ولم ينفذ أوامر المحكمة بإنهاء ممارسات الحبس الانفرادي في السجون الفدرالية مع أنه أقسم على فعل ذلك، وولم تختر كندا بعد طائرة مقاتلة من الجيل المقبل رغم مرور ست سنوات، ولم تنجح جهود إعادة الاستثمار في قطاع الإسكان في زيادة التمويل للمنازل مقبولة الكلفة.

اكتشفت مبادرة "بوليميتر" المستقلة لتعقب تنفيذ الوعود أن ترودو نفّذ ثلثَي الوعود التي أطلقها خلال حملته في نهاية عهد حكومة الأغلبية الأولى التي ترأسها. لقد تابع تنفيذ ربع تلك الالتزامات جزئياً، ونكث بحوالي 7% منها بكل وضوح، إنها نتيجة متوسطة لكنها لا تعكس فشلاً تاماً.

لكن خلال ولايته التي حصد فيها الأقلية طوال سنتين وتأثرت بكل وضوح بتداعيات وباء كورونا، انهارت معظم الالتزامات السابقة، فقد نفذ رئيس الوزراء وعداً واحداً من كل عشرة وعود أطلقها خلال حملته في عام 2019 وفق تقييم المنظمات المعنية بالمحاسبة، وفي المقابل، لا يزال 40% من الوعود "قيد التنفيذ".

في غضون ذلك، اختفى عدد من الوعود الأخرى بالكامل، وكَثُر الكلام عن إطار عمل تشريعي يتعلق بفرض القانون والنظام وسط جماعات السكان الأصليين، لكن لم يُطرَح أي إطار مماثل في نهاية المطاف، واستفاد حزب ترودو إلى ما لا نهاية من وعده بإلغاء قانون منع التبرع بالدم من المثليين، لكن لا تزال السياسة التمييزية والمعادية للمثليين قائمة، كذلك، لم تُعْطِ خطط إصلاح طريقة تعامل وزارة العدل مع القناعات الخاطئة ثمارها بعد، وأصبح الوعد المرتبط بقانون أصحاب المشاريع في كندا طي النسيان منذ عام 2019.

لكن لم يوقف وباء كورونا جميع الخطوات البرلمانية، فقد أعلن البرلمان مثلاً عن "اليوم الوطني للحقيقة والمصالحة"، ووضع مجموعة من الجماعات المتطرفة الجديدة في خانة المنظمات الإرهابية، وأقرّ تشريعاً لتوسيع تفويض "هيئة الإذاعة والتلفزيون والاتصالات الكندية" بهدف تنظيم المواد المعروضة على شبكة الإنترنت، ومرّر قوانين تُشرّع ميزانيات هائلة، فتحققت مبادرات كثيرة بدءاً من إنشاء "صندوق التعافي الاقتصادي الكندي"، وصولاً إلى توسيع الخدمات الرقمية التي تغطيها ضريبة السلع والخدمات.

وسط هذه النشاطات المفرطة، كان يصعب تحديد المسائل التي تعطيها حكومة ترودو الأولوية وتلك التي تتجاهلها، حيث نظّم وزير العدل ديفيد لاميتي تشريعاً لإلغاء مجموعة من القوانين الإلزامية وتجريم ممارسات علاج التحويل الذي يخضع له الكنديون المثليون، لكن تبخّر هذان المشروعان حين أعلن ترودو دعوته إلى إجراء انتخابات، مما يعني أن الكنديين سيواجهون سنوات من السجن بسبب جرائم غير عنيفة مرتبطة بالمخدرات، وسيبقى المثليون معرّضين للتعذيب النفسي من دون محاسبة أحد.

صرّح السيناتور يوين باو وو لصحيفة "هيل تايمز" حديثاً بأنه مستعد لتمضية الصيف كله لتمرير قانون يمنع متابعة ممارسات تحويل المثليين، لكن أرادت الحكومة الليبرالية أن يصل مشروع القانون هذا إلى اللجنة في المجلس الأعلى بكل بساطة ولم ترغب في إعطائه الأولوية كي يصبح قانوناً رسمياً. قال وو: "الحكومة أرادت حصول ذلك".

في ما يخص طريقة التعامل مع الوباء، وهو موضوع لا يكفّ ترودو عن التطرق إليه، ثمة فجوة واضحة بين تقييم رئيس الوزراء لأدائه والنتائج التي يحققها على أرض الواقع، فهو يستحق حتماً علامة مرتفعة على استراتيجية تأمين اللقاحات، لكن بقيت جهود حكومته لاقتناء التكنولوجيا التي تسمح بابتكار شهادة تطعيم كندية جامدة. كانت هذه الخطط تهدف في المرحلة الأولى إلى استعمال تلك التكنولوجيا للتحقق من سلامة اللقاحات التي يتلقاها الكنديون في أواخر السنة الماضية، لكن لن تصبح شهادة التطعيم جاهزة قبل شهر ديسمبر على الأقل، ومع ذلك لم تتردد الحكومة الليبرالية في تهنئة نفسها على جهودها الحثيثة في الأسبوع الماضي.

يُعتبر ادعاء العمل المتواصل، رغم غياب أي خطوات ملموسة، جزءاً من سر نجاح ترودو، وحين يُسأَل هذا الزعيم الليبرالي خلال حملته الانتخابية عن تجربته بعد ست سنوات في السلطة، لا مفر من سماع عبارته الشهيرة: "نستطيع بذل جهود إضافية دوماً".

لكن بعيداً عن هذه المواقف الشفهية، ورغم أهمية متابعة بذل الجهود في مختلف المجالات، يجب أن يبدأ الجميع بالتساؤل: هل يُعتبر جاستن ترودو أفضل خيار لإنجاز المهام المطلوبة كلها؟

جاستن لينغ - ماكلين