الشرط العقيم
يقول المثل الإيطالي: «كُلما استُنبط قانون جديد استُنبطت طريقة للتخلص منه». وهذا واقع الحال، فإن عاش المرء مجرداً من النظام تمنى دولاً تحكمها القوانين، وإن قيدته اللوائح والأحكام راح يتدبر كيف المفر! نجد ذلك جلياً عند شرط «التطعيم» لدخول المجمعات والمرافق، فبعد أن ساد البلاد حظر تذمر منه الناس، وعند ذروة اليأس والاستسلام وُلد اللقاح فاستبشروا خيراً، ثم ظهرت لنا أحزابُ الضد والمعارضة، وكأنهم يعاندون بروتوكول السيطرة على الوباء، فتكالبوا على إجراءات منع غير المُطعمين من دخول الأماكن العامة وراحوا يزورون شهادات التطعيم، ويحترفون سُبُلا للمراوغة والتمويه! المشكلة ليست فيمن يرفضون اللقاح، بل في تطبيق القوانين، وفي العقل الذي يُنفذ القرارات. أتذكر جيداً انبهار بروفيسور كندي كان صديقا للعائلة بعدما تمعن في القانون الكويتي، ولم يجد وصفاً كافياً يعادل اندهاشه من احترافية نصوصه ودقة بنوده المُسهبة. كان مُنبهراً حتى شعر أنه ضيع عمره سُدى في العيش على أرض غير الكويت!
هو لا يدري أن المعضلة ليست في القوانين، بل فيمن يُطبقها، فليس من المعقول أن أدخل أحد المجمعات لأجد طاولة يجلس عليها رجل يحيط به رجال أمن، ليبدو لك المنظر جدياً للغاية، لكن ما إن تقترب ويسألك عن شهادة التطعيم، حتى يومئ لك برأسه للدخول، دون عناء التثبت أصلاً! ثم تتساءل: كيف عرف أن بياناتي صحيحة؟ وما الممارسة السليمة لتطبيق القوانين؟ الجواب هو ما نفتقده مع الأسف، فالقوانين أنشأت أجيالاً ترعرعت على التمرد، فأصبحت القوانين صوراً معلقة أو مهملة في الأدراج، حتى أنهم صنعوا قانوناً يعلو كل القوانين، وعُرفاً يطغى على الدساتير، أسْمَوه « قانون الواو»، شوه علوم القانون دون رحمة، حتى أن الناس «المسالمة» بدت تحذو حذوه لنيل حقوقهم البدهية. على الحكومات أن تنفض الغبار المتراكم، الذي خلفهُ أناس غير أكفاء، أناس تراخوا في تطبيق القانون إيماناً بمبدأ «مال عمك ما يهمك»، وهذا ما يُقبّح أي جميل، لذلك قد يبدو لك القانون ناقصاً أو معيباً، وقد تبدو لك القرارات مُتخبطة وغير مدروسة.