نجحت قمة "مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون"، التي عقدت في العاصمة العراقية، أمس، بجمع قادة وزعماء تتقاطع مواقفهم بشكل متباين حول عدة ملفات ساخنة، في حين تجنبت جل الوفود خلال مشاركتها القضايا الخلافية الحادة، وشددت على ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشأن العراقي، والعمل على دعم أمنه واستقراره بدلاً من تصفية الحسابات على أرضه.والتأمت القمة بحضور لافت لزعماء وقادة دول الكويت والسعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وتركيا وإيران وفرنسا، إضافة ممثلين عن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، في مسعى لترميم علاقات العراق بمحيطيه العربي والإقليمي، إضافة إلى تخفيف حدة التوترات الدبلوماسية والأمنية في المنطقة.
وشارك في اجتماعات المؤتمر إضافة إلى ممثل سمو الأمير نواف الأحمد الجابر رئيس الوزراء صباح الخالد، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ونائب رئيس دولة الإمارات محمد بن راشد، ووزراء خارجية السعودية فيصل بن فرحان آل سعود وتركيا مولود جاويش أوغلو، وإيران حسين أمير عبداللهيان. وحضر القمة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف.
دعم كويتي
وشدد ممثل سمو الأمير، في كلمته أمام القمة على أن "منطقتنا العربية والإقليم لن تنعم بالاستقرار طالما العراق الشقيق يفتقده، فالعراق مهد الحضارات غني بموارده البشرية والطبيعية ومتميز بموقعه الجغرافي وإحدى الركائز الأمنية والاقتصادية المهمة في منطقتنا وباستقراره يستتب أمن المنطقة وتتعزز فرص تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود ما بين دولها. وقال الخالد، إن العراق وعلى الرغم من المعاناة والأوضاع الصعبة التي مر بها خلال السنوات الماضية والتحديات الأمنية الكبيرة التي عاش في ظلها خلال محاربته للارهاب والتطرف فإنه استطاع وبإرادة شعبه وبدعم من المجتمع الدولي تجاوزها والتغلب على الجزء الأعظم منها والدليل على ذلك هو اجتماعنا اليوم في العاصمة بغداد والتي كان لها نصيب كبير من هجمات الجماعات الإرهابية".وأضاف :"ان العراق الشقيق مقبل على مرحلة محورية من مسيرته السياسية تتمثل في الانتخابات البرلمانية التي ستعقد بتاريخ 10 أكتوبر 2021 والتي تتطلب منا كدول منطقة ومجتمع دولي دعمه ومساندته لعقدها ولتمكين الحكومة العراقية من تحقيق ذلك علينا ترسيخ مقومات سيادته واستقلاله ووحدة أراضيه وعدم التدخل في شؤونه الداخلية تلبية لتطلعات وطموحات شعبه".وأشار إلى أن الكويت تعد من أكثر دول المنطقة تلمسا وتفاعلا مع الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة التي يمر بها العراق الشقيق فلذلك لم تتوان في الوقوف معه ومساندته في أشد الظروف والمراحل فبمبادرة سامية من قائد العمل الإنساني أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد حشدت دولة الكويت الجهود الدولية واستضافت مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار المناطق المتضررة من داعش في شهر فبراير من عام 2018 والذي نتج عنه تعهدات بلغت 30 مليار دولار، مما يجسد ايمان دولة الكويت والمجتمع الدولي بدعم العراق في مرحلة ما بعد تحقيق النصر على الإرهاب.وتابع أنه: "فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية الكويتية ـ العراقية فهي تسير بخطى ثابتة مدفوعة بعزيمة جادة وإرادة مشتركة من قيادة البلدين نحو تعزيز أواصرها والدفع بها نحو أفق أرحب وأشمل وفي شتى المجالات، ونتطلع الى مواصلة تنفيذ الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين البلدين لما فيه مصلحة وخير لشعبي البلدين. وأشاد باستمرار وفاء العراق بالتزاماته الواردة في قرار مجلس الأمن 2107 الخاص بالمفقودين الكويتيين ورعايا الدول الثالثة والممتلكات الكويتية بما في ذلك الأرشيف الوطني، "ونشيد بتعاون العراق الشقيق ونرحب بما تحقق حتى الآن ونشجع على الاستمرار بتلك الجهود الحثيثة للعثور على ما تبقى من مفقودين كويتيين ورعايا دول ثالثة والبالغ عددهم 328 شخصا وإغلاق هذا الملف الإنساني والعثور كذلك على الممتلكات الكويتية وبالأخص الأرشيف الوطني نظرا لأهميته التاريخية".وتقدم الخالد "بالشكر الى الحكومة العراقية ولأعضاء اللجنتين الثلاثية والفنية الفرعية والى اللجنة الدولية للصليب الأحمر على جهودهم المبذولة والتي ساهمت في تحديد مصير ما تم العثور عليه من رفات (للأسرى والمفقودين الكويتيين) إلى هذا الحين ونتطلع الى انتهاء هذه المأساة الإنسانية بأقرب وقت، والشكر موصول كذلك لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق يونامي لدورها الهام والحيوي في متابعة ملفات المفقودين والممتلكات الكويتية وفقا لأحكام القرار 2107 ولتسهيلها نقل جثمان عدد من الرفات إلى الكويت بالتعاون مع السلطات العراقية واللجنة الدولية للصليب الأحمر".وأمل "أن يستمر التعاون وبنفس الوتيرة للانتهاء من كل المسائل الثنائية المتبقية لتعزيز تدابير بناء الثقة والانطلاق بالعلاقات إلى أفق أوسع وأرحب بما يخدم مصالح البلدين. وجدد في الختام التزام دولة الكويت بمساندة العراق الشقيق والوقوف الى جانبه حتى يتجاوز الصعاب التي تعترض طريق استتباب أمنه واستقراره وتمكنه من إعادة إعمار بلاده وتحقيق التقدم والازدهار لشعبه وتتطلع لمشاركة فعالة للقطاع الخاص الكويتي في عملية إعادة إعمار العراق وما بعدها ولحين تبوء العراق بلاد الرافدين مكانه الطبيعي في محيطه الإقليمي والدولي بين أشقائه.الكاظمي وماكرون
من جهته، قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في كلمته الافتتاحية، إن العراق يرفض استخدام أراضيه منطلقاً للصراعات الإقليمية الدولية.ووصف المؤتمر بأنه رسالة دعم لبلاد في "ظرف حساس وتاريخي". وأكد على أن بلاده تسعى لـ"إقامة أفضل العلاقات وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول أو أن تكون منطلقاً للاعتداء على الآخرين".ولفت إلى أن بغداد قطعت شوطاً في عمليات إعادة الإعمار والتهيئة لإجراء الانتخابات المقررة بأكتوبر المقبل.من جهته، اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن "المؤتمر يؤكد أن منهج التعاون والشراكات يبقى هو الركن الأهم لتحقيق السلام في المنطقة".وأضاف أن الهدف الأول من المؤتمر هو دعم العراق في مساعي تعزيز الاستقرار ومحاربة الإرهاب، مجدداً دعم بلاده للأجهزة الأمنية العراقية.ورأى أن "العراق يتوجه اليوم نحو الاستقرار والتنمية". وأشار إلى أن "الاتحاد الأوروبي سيرسل مراقبين للانتخابات العراقية النيابية" المقررة في أكتوبر المقبل.وفي وقت سابق، حذر ماكرون الذي يقوم اليوم بزيارة للقوات الخاصة الفرنسية في بغداد، من التراخي في مواجهة تنظيم "داعش"، خلال مؤتمر مشترك مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.السيسي وتركيا
بدوره، حث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دول المنطقة على تعزيز قدراتها في مواجهة التحديات المشتركة ودعم العراق في مساعي الإصلاح ومحاربة الإرهاب وترسيخ موقعه في العالم العربي.ولفت السيسي إلى أن "العراق شهد تدخلات خارجية متنوعة، وأن مصر ترفض الاعتداءات على الأراضي العراقية" في إشارة على ما يبدو إلى العمليات العسكرية التركية بإقليم كردستان لملاحقة عناصر "حزب العمال" المتمرد.وبين أن القاهرة "تتمنى نجاح الانتخابات العراقية المبكرة التي ستفتح الباب أمام التقدم بخطى ثابتة نحو المستقبل".في المقابل، رأى وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، الذي مثل بلاده بعد تسريبات عن جهود لجمع الرئيس رجب طيب إردوغان بالسيسي، أنه يجب التعامل مع العراق من "أجل التعاون والشراكة وليس كساحة للتنافس".ولفت إلى تأييد أنقرة "النهج الشامل للكاظمي، الذي يحتضن جميع الفئات". وأعلن استعدادها لتنفيذ بعض مشاريع البنى التحتية الاستراتيجية، في نطاق التزام أنقرة بمخرجات مؤتمر "الكويت 2018".وأشار إلى رفض بلاده وجود عناصر "حزب العمال" المتمرد على أراضي العراق.السعودية وإيران
وبعد توقعات عراقية بإمكانية تحقيق تقدم، وإن بشكل متواضع، نحو تحسين الأجواء بين الرياض وطهران من خلال مشاركتهما في القمة، أكد وزير الخارجية السعودي، في كلمته، أن ما تشهده المنطقة يستدعي رفع مستوى التنسيق بين دولها.وأكد فرحان أن الرياض لا تدخر جهداً في دعم بغداد على كل الصعد. ولفت إلى وجود "انفتاح اقتصادي بين البلدين".وثمن وزير الخارجية السعودي دور الحكومة العراقية في ضبط السلاح المنفلت بيد الميليشيات، مشيراً إلى أن بلاده تدعم حكومة الكاظمي لضمان وحدة العراق واستقراره. في المقابل، عبر وزير الخارجية الإيراني عن ترحيب بلاده بدور العراق في "إشاعة لغة الحوار"، مشدداً على أن طهران تريد تحقيق السلام عبر الحوار في المنطقة وعبر الثقة المتبادلة، وتحقيق سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لتحقيق الأمن المستدام والتنمية المستدامة.وقال عبداللهيان، في كلمته التي ألقاها باللغة العربية، إن الحكومة الإيرانية الجديدة، التي يهيمن عليها التيار المتشدد، "ستنتهج سياسة معتدلة تجاه دول المنطقة". وهاجم الوزير الإيراني الولايات المتحدة وحذر من أن "التدخل الأجنبي لا يخدم المنطقة"، مشدداً على ضرورة خروج القوات الأجنبية من العراق.وتعهد عبداللهيان، الذي تتهم بلاده بالتأثير على العديد من الأحزاب والفصائل المسلحة في بغداد، بـ"دعم العملية السياسية فى العراق"، واصفا إجراء الانتخابات البرلمانية بـ"ركيزة الاستقرار".قطر والإمارات
وفي حين شدد أمير قطر، الذي يزور بغداد لأول مرة، على استعداد بلاده لدعم أمن العراق واستقراره من أجل تحقيق الأمن والسلام للمنطقة، اعتبر وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، الذي القى كلمة بلاده، أن مؤتمر بغداد خطوة مهمة على طريق عودة العراق لمحيطه الإقليمي والدولي.وحث الأمين العام لجامعة الدول العربية على مساعدة العراق على بناء علاقات جديدة مع دول المنطقة وعدم تحويله إلى "ساحة للصراعات"، متمنياً أن تُمحى الطائفية من دول المنطقة ويسود السلام والاستقرار.وعقدت على هامش القمة، عدة لقاءات ثنائية وثلاثية بين قادة وزعماء الدول المشاركة بهدف تقريب وجهات النظر وتخفيف التوترات الدبلوماسية.وجمعت أبرز اللقاءات المنفصلة بن راشد وعبدالهيان الرئيس العراقي برهم صالح مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني. وكان لافتاً إعلان ماكرون أن بلاده ستبقي قوات في العراق إذا طلبت حكومته ذلك، بغض النظر إذا قررت واشنطن سحب جميع قواتها أو لا.عبداللهيان يخرق البروتوكول وسليماني يحضر بـ «العربية»
تداولت وسائل إعلام عراقية معلومات تفيد بأن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان رفض الالتزام بالبروتوكول، والمخطط الذي وضعه منظمو القمة للصورة التذكارية ليقف بالصف الأول، بعد أن كان مكانه الصحيح في الصف الثاني إلى جانب ممثل السعودية.وبررت مصادر إيرانية ما جرى بأن الوزير الإيراني كان يتبادل الحديث مع السيسي، عندما طلب منهم المصور التقاط الصورة، فاختار الوقوف بين الرئيس المصري والشيخ محمد بن راشد.وفي أول نشاط خارجي له بعد تعيينه وزيراً للخارجية، استغل عبداللهيان، كلمته أمام قمة بغداد، التي ألقاها باللغة العربية، لاستذكار مقتل قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني بمطار بغداد في يناير 2020.