شهدت «قمة بغداد للتعاون والشراكة»، التي عقدت أمس في العاصمة العراقية، حضوراً لافتاً لقادة وزعماء دول تتباين مواقفهم حول عدة ملفات ساخنة، حيث تجنبت جل الوفود التطرق للقضايا الخلافية الحادة، مشددة على ضرورة وقف التدخلات الخارجية في شأن العراق، والعمل على دعم أمنه واستقراره بدلاً من تصفية الحسابات على أرضه.

وبدا الارتياح واضحاً في الأوساط السياسية والشعبية العراقية، أمس، بعد انتهاء المؤتمر، الذي عُقد بمشاركة ست دول عربية بينها الكويت، إلى جانب تركيا وإيران وفرنسا، وكان مبعثه سماع كلمات ترحب بعودة العراق إلى وضعٍ يراد له أن يكون طبيعياً، في وقت تعيش البلاد تناقضات أمنية وسياسية عميقة، حيث لاتزال الدولة تصارع الفصائل المسلحة الحليفة لطهران.

Ad

وفي كلمته أمام القمة، أكد ممثل صاحب السمو أمير البلاد، رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد أن العلاقات الثنائية مع العراق تسير بخطى ثابتة مدفوعة بعزيمة جادة وإرادة مشتركة من قيادتي البلدين نحو تعزيز أواصرها والدفع بها نحو أفق أرحب، معرباً عن تطلعه إلى مواصلة تنفيذ الاتفاقيات الثنائية لما فيه مصلحة البلدين وشعبيهما.

وقال الخالد إن «منطقتنا العربية والإقليم لن ينعما بالاستقرار مادام العراق يفتقده»، مبيناً أن «العراق إحدى الركائز الأمنية والاقتصادية المهمة في منطقتنا، وباستقراره يستتب أمن المنطقة وتتعزز فرص تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود بين دولها»، مضيفاً أنه رغم المعاناة والأوضاع الصعبة التي مر بها العراق خلال السنوات الماضية، والتي تعد الكويت أكثر تلمساً لها، إلى جانب التحديات الأمنية الكبيرة التي عاش في ظلها خلال محاربته للإرهاب والتطرف فإنه استطاع بإرادة شعبه ودعم من المجتمع الدولي تجاوزها والتغلب على الجزء الأعظم منها.

وأشاد باستمرار وفاء العراق بالتزاماته الواردة في قرار مجلس الأمن 2107 الخاص بالمفقودين الكويتيين، بما في ذلك الأرشيف الوطني، داعياً إلى الاستمرار في تلك الجهود الحثيثة «للعثور على ما تبقى من مفقودين كويتيين ورعايا دول ثالثة والبالغ عددهم 328، وإغلاق هذا الملف الإنساني، والعثور كذلك على الممتلكات الكويتية، ولاسيما الأرشيف الوطني نظراً لأهميته التاريخية».

وأعرب الخالد عن تطلع الكويت إلى مشاركة فعالة لقطاعها الخاص في عملية إعادة إعمار العراق، وما بعدها، وإلى حين تبوئه مكانه الطبيعي في محيطه الإقليمي والدولي بين أشقائه، مجدداً التزام الكويت بمساندته حتى يتجاوز الصعاب التي تعترض طريق استتباب أمنه واستقراره، وترسيخ عدم التدخل في شؤونه الداخلية تلبية لتطلعات وطموحات شعبه.

واختصر وزير خارجية العراق فؤاد حسين مجريات المؤتمر، في تصريح بعد انتهاء القمة، بأن الأطراف المشاركة في الغالب لم ترد إثارة القضايا الخلافية، وكان الأساس هو تأكيد الرغبة في الحوار، ولذلك يمكن أن يشجع لقاء بغداد على حراك إيجابي في المنطقة.

وذكرت مصادر مطلعة في بغداد أن قادة الدول التسع أجروا لقاءات ثنائية على هامش المؤتمر لم تتسرب تفاصيلها، لكن من المرجح أنها تناولت قضايا لتخفيف التوتر.

وخيمت أجواء إيجابية على هامش المؤتمر الذي جمع قادة وزعماء دول شهدت علاقاتها توترات وخلافات حادة في عدة قضايا، ولم يتضح بعدُ ما إذا كان هناك لقاء بين الوفدين الإيراني والسعودي اللذين سبق أن التقيا في بغداد عدة مرات خلال الشهور الماضية، غير أن نائب رئيس الإمارات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد التقى وزير الخارجية الإيراني الجديد حسين عبداللهيان على هامش المؤتمر.

وعقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قمة مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بحضور الرئيس العراقي برهم صالح، أكدا عقبها التوافق على «أهمية مواصلة التشاور لدفع العلاقات بين القاهرة والدوحة»، كما نشر بن راشد صوراً للقاء ثنائي جمعه بالشيخ تميم قبيل المؤتمر، مؤكداً أن الأخير «شقيق وصديق، والشعب القطري قرابة وصهر، والمصير الخليجي واحد كان وسيبقى... حفظ الله شعوبنا وأدام أمنها واستقرارها ورخاءها».

وقد يكون الوزير الإيراني هو أبرز من استخدم عبارات حادة في خطابه، حينما شنّ هجوماً على الوجود الأميركي بالعراق، محمّلاً إياه مسؤولية الأمن المختل في المنطقة.

وكان لافتاً إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستبقي قواتها بالعراق، في إطار عمليات مكافحة الإرهاب، ما دامت الحكومة العراقية تطلب ذلك بغض النظر عما تقرره أميركا.

وبينما اكتفى وزير الخارجية السعودي بتأكيد دعم العراق في مواجهته لـ «السلاح المنفلت»، قال مراقبون إن رسائل دعم العراق اندمجت برسائل أزمات المنطقة؛ لأن التوتر بين إيران والعرب خصوصاً، هو محور أساسي للقلق في العراق وعليه.

وفي كلمتها، أكدت تركيا، تمكين التعاون الاقتصادي مع العراق، والتطلع إلى شراكات استثمارية وما يتطلبه ذلك من ضبط الأمن، كما أشاد وزير خارجية إيران، في كلمته التي ألقاها باللغة العربية، بحجم التبادل التجاري مع العراق، لكن بدا من تلفظه للكلمات أن مستوى التبادل بلغ 300 مليار دولار، مما دفع رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى تصحيح الرقم إلى 13 ملياراً.

وتداولت وسائل إعلام عراقية معلومات تفيد بأن عبداللهيان رفض الالتزام بالبروتوكول والمخطط الذي وضعه منظمو القمة للصورة التذكارية، ليقف بالصف الأول بعد أن كان مكانه الصحيح في الصف الثاني إلى جانب ممثل السعودية.

وبررت مصادر إيرانية ما جرى بأن الوزير الإيراني كان يتبادل الحديث مع السيسي، عندما طلب منهم المصور التقاط الصورة، فاختار الوقوف بين الرئيس المصري وبن راشد.

محمد البصري