منطقة العبدلي الاقتصادية... تضافر الجهود لمستقبل موعود
تشكل «منطقة العبدلي الاقتصادية» في حال إنجازها، من هيئة تشجيع الاستثمار المباشر KDIPA وفق التكليف الصادر لها من مجلس الوزراء بتاريخ 17/ 8/ 2021، أولى المناطق الاقتصادية المتكاملة في دولة الكويت، كونها تشمل كثيراً من القطاعات الإنتاجية والتجارية والسياحية وحتى السكنية التي ستؤمن آلاف الفرص الوظيفية وتعظّم حجم الاقتصاد ومعدل النمو، وهذا ما يعتبر بلا ريب تحريكاً للمياه الراكدة في مسار التنويع الاقتصادي المستدام ونواة لمستقبل تنموي لا يعتمد على النفط كمصدر رئيس للدخل، ويمهد لإنجاز المشروع الطموح المتمثل بـ«مدينة الحرير» وما يرتبط به من رؤية تطويرية لجزيرة بوبيان والجزر الأخرى، الأمر الذي يجعل من المهم والضروري، أن يرتقي هذا المشروع الى مصاف المشاريع الوطنية التي تتطلب تكاتفاً جماعياً ودعماً استثنائياً من الجهات الحكومية وتشاركاً حقيقياً مع جميع مكونات القطاع الخاص. ولا ريب أنه بقدر ما تهيئ دولة الكويت نفسها لنجاح تجربة المناطق الاقتصادية وفتح آفاقها لمزيد من الاستثمارات، بقدر ما تحجز موقعاً لها ضمن «مبادرة الحزام والطريق» الذي تبدي الصين علناً استعدادها التام للمشاركة في دعم وتمويل المشاريع والبنى التحتية التي تدخل في هذا المسار ضمن «جبهة التنمية الاقتصادية العالمية» التي تحاول تحقيقها بقيادتها، وفي المقابل فإن مثل هذا النوع من المناطق قد يشكل، في موقع «جيو-استراتيجي اقتصادي» مميز كالكويت، حافزاً لدخول المنافسة الغربية للاستثمار الجدّي في مشاريع الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا العصرية والطاقة المتجددة.وقد يكون من المهم في هذا الإطار التذكير بأن نسق التنافس العالمي المعاصر يقوم على استقطاب وتوطين الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال تقديم ما تيسر من تسهيلات ومزايا يستحقها، وفتح أفق المناطق الاقتصادية أمامه بما تتضمنه من فرص استثمارية متعددة، متنوعة، جاذبة ومعفاة من بعض الضرائب والرسوم، الأمر الذي يمكن تحقيقه في الكويت من خلال قانون المناطق الحرة رقم (26) لسنة 1995 المتواضع التجربة والنتائج، أو قانون تشجيع الاستثمار المباشر رقم (116) لسنة 2013 الذي جعل الكويت بأكملها منطقة حرة مفتوحة للاستثمارات ذات القيمة المضافة، والذي سيتم استناداً لأحكامه إنشاء «منطقة العبدلي الاقتصادية».
وتتبدّى في السياق ملاحظتان قانونيتان جوهريتان، أولهما قد لا تهم إلا المتخصصين ولكنها ضرورية تداركاً لأي التباس محتمل، وهي أن الأساس القانوني لإنشاء «منطقة العبدلي الاقتصادية» لا يتناقض بل يتكامل مع الأساس القانوني لإنشاء «المنطقة الشمالية الاقتصادية» المزمع مناقشة قانونها في مجلس الأمة، فبشكل مواز لأي قانون قد يصدر لإنشاء منطقة اقتصادية، تتطلب أساليب إدارتها وصلاحيات الهيئة المشرفة عليها والمزايا والإعفاءات التي قد تمنحها، تدخلاً تشريعياً من البرلمان الكويتي، تتيح الفقرة الثالثة من المادة (4) من القانون رقم (116) لسنة 2013 لهيئة تشجيع الاستثمار المباشر (إنشاء المناطق الاقتصادية واقتراح مواقعها في إطار المخطط الهيكلي العام)، وذلك بالتنسيق مع بلدية الكويت والجهات المعنية، وهذا يعني أن خصوصية إنشاء المناطق الاقتصادية في الكويت تحت مظلة القانون المشار إليه تجعل من القرار الإداري كافياً لتحديد وإنشاء المنطقة، ومن ثم تتمتع الشركات التي تتولى البناء والتنفيذ وتلك المستثمرة لاحقاً في المنطقة بإمكانية الاستفادة من المزايا والإعفاءات المنصوص عليها في القانون نفسه.أما ثاني الملاحظات القانونية فتلفت الى الخطوة المتقدمة التي تتمثل بإجازة إدارة الفتوى والتشريع طرح مشروع تنفيذ منطقة العبدلي الاقتصادية بمزايدة تمكّن الشركات المتخصصة من فرصة المشاركة فيها لقاء استفادتها، في حال الفوز، بالاستثمار لسنوات طويلة تكون مجدية العوائد، وهذا ما يتجاوز الإطار التقليدي المتبع وفق قانون أملاك الدولة في تأجير أراضي الدولة، ويبعد المشروع عن مخاض الإجراءات الطويلة المتبعة تطبيقاً لقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ناهيك عن أن تولي القطاع الخاص مهمة تنفيذ المشروع هو تجسيد حقيقي لشعار قيادته قاطرة التنمية، ويتفق ذلك مع سياق تجنيب الميزانية العامة تكبّد أموالاً طائلة كان ينبغي على الدولة صرفها لو أنها تحملت مسؤولية إنجاز البنى الفوقية والتحتية اللازمة للمشروع. بقي التأكيد على أن نجاح دولة الكويت في مثل هذا المشروع التنموي الضخم والكبير، كما في كل المشاريع المستقبلية المماثلة، يتطلب سياسة اقتصادية متكاملة ترتكز على الانفتاح كضرورة ملحة، وتكاتف الجهود كأولوية حتمية، لأن تشجيع الشراكة بين الاستثمار الأجنبي والوطني، وفتح الأبواب للخبرات عالية الكفاءة، من شأنه أن يبني مستقبلاً قائماً على تدفق التكنولوجيا والخبرات والأموال والسياحة الآتية من خلف الحدود، وتلك– بلا أدنى شك- مقومات التغيير والتطوير.* كاتب ومستشار قانوني