منذ أن سحبت الولايات المتحدة قواتها العسكرية من أفغانستان، سيطرت حركة «طالبان» على السلطة بوتيرة أسرع مما توقّع الجميع، وطغت الفوضى على مطار كابول حين حاول الأفغان اليائسون مغادرة البلد.وبعدما انشغل العالم بمشاهدة تداعيات القرار الأميركي بالانسحاب من بلدٍ أمضت فيه الولايات المتحدة عقوداً وهي تواجه المتطرفين باسم «الحرية» و«الديموقراطية»، سيزيد التركيز على أهمية تعزيز قدرات الدفاع عن النفس بين حلفاء واشنطن في المناطق المتنازع عليها.
حاولت واشنطن تهدئة المخاوف التي عبّرت عنها وسائل الإعلام والدول الحليفة في آن، تزامناً مع تصاعد الشكوك حول مصداقية الولايات المتحدة، وشدد الرئيس الأميركي جو بايدن على عدم وجود أي مصالح وطنية أميركية محورية في أفغانستان، باستثناء «منع وقوع أي هجوم إرهابي ضد الأراضي الأميركية».أضاف بايدن: «لا يستطيع الجنود الأميركيون أن يخوضوا حرباً أو يموتوا في حربٍ لا تبدي القوات الأفغانية استعدادها لخوضها بنفسها ولا يُفترض أن يفعلوا ذلك أصلاً»، ومع ذلك طغت المخاوف المرتبطة باحتمال انسحاب الجيش الأميركي على مختلف الحلفاء.قال بايدن في مقابلة قبل أيام مع قناة «إي بي سي نيوز» إن «الفرق كبير بين تايوان وكوريا الجنوبية وحلف الناتو» و»نحن نعتبر التزامنا بالمادة الخامسة مقدساً، وهي تنصّ على أننا سنردّ على أي جهة تُقدِم على غزو حلفائنا في الناتو أو التحرك ضدهم». ثم أضاف أن هذا المبدأ ينطبق على كوريا الجنوبية واليابان وتايوان.كذلك أوضح جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي في فريق بايدن، أن ظروف أفغانستان وكوريا الجنوبية مختلفة بالكامل، وشدد على عدم توجّه بايدن إلى سحب القوات العسكرية من كوريا الجنوبية.لم تُعبّر سيئول رسمياً عن مخاوفها من احتمال سحب القوات الأميركية من كوريا الجنوبية، لكن بعض السياسيين والمحافظين من مؤيدي استعمال القوة عبّروا عن مخاوفهم من أن تؤدي عملية السلام التي أطلقها رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، في شبه الجزيرة الكورية إلى انسحاب القوات الأميركية وإنشاء ثغرة في الأمن القومي، فهم يطالبون الحكومة بتقوية علاقتها مع الولايات المتحدة بناءً على مبدأ «تحالف الدم».في هذا السياق صرّح ليف إيريك إيسلي، أستاذ مساعِد في الدراسات الدولية في «جامعة إيهوا للإناث» في سيئول، لصحيفة «دبلومات»: «لن تسحب الولايات المتحدة عدداً كبيراً من الجنود من كوريا الجنوبية في أي وقت قريب، ولا يمكن مقارنة كوريا الجنوبية بوضع أفغانستان، بالإضافة إلى المصالح المشتركة في مجال التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية للتعامل مع كوريا الشمالية، لن تسحب واشنطن قواتها العسكرية من شبه الجزيرة قريباً لأن هذه الخطوة تعني من الناحية الجيوسياسية تسليم آسيا للصين».يظن الخبراء ومعظم الكوريين الجنوبيين أن أحداث أفغانستان لن تتكرر في كوريا الجنوبية خلال المرحلة المقبلة، لكن يُصرّ بعض المحللين على ضرورة الاستعداد لأسوأ السيناريوهات المحتملة، أي انسحاب القوات الأميركية واندلاع حرب كورية ثانية تطلقها كوريا الشمالية.كرر البعض في مناسبات عدة أن البلد يحتاج إلى التفكير بإعادة نشر الأسلحة النووية الاستراتيجية إذا تخلّت القوات الأميركية عن التزامها بشؤون البلد، لكن يقول الخبراء إن التفاوض حول نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية لن يكون ورقة مساومة واقعية، ولن يعطي أي تدبير لدفع الصين إلى أداء دور أساسي في ملف كوريا الشمالية الأثر المنشود.صرّح كيم يونغ جون، أستاذ في شؤون الأمن القومي في جامعة الدفاع الوطني الكورية وعضو في المجلس الاستشاري للأمن القومي في المقر الرئاسي الكوري الجنوبي، لصحيفة «دبلومات»: «سيبقى الموقف الدفاعي المشترك بين سيئول وواشنطن على حاله حتى لو سحبت واشنطن قواتها العسكرية من كوريا الجنوبية، فالوضع اليوم مختلف بالكامل عما كان عليه خلال الحرب الكورية، ولن يعطي وجود القوات الأميركية في كوريا الجنوبية أي أثر حاسم على الوضع الراهن، إذ يرصد الجيش الكوري الجنوبي أصلاً جميع المؤشرات التي تنذر بوقوع هجوم [نظري] من كوريا الشمالية عبر معدات الطيران ومراقبة الأقمار الاصطناعية». في بيانِ نشرته كيم يو جونغ، شقيقة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، مؤخراً، ألمحت إلى أن القوات الأميركية في كوريا الجنوبية هي السبب الأصلي للتوتر السائد في شبه الجزيرة الكورية، وانتقدت كيم يو جونغ التدريبات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، مع أن شقيقها كان قد عبّر عن تفهّمه لأهمية الوجود العسكري الأميركي والتدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين خلال قمة جمعته مع رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن في العام 2018.
مقالات
هل تشكك كوريا الجنوبية في الالتزامات الأميركية؟
31-08-2021