أكد عدد من الخبراء أن تراجع أسعار النفط العالمية مؤخراً جاء نتيجة لتأثر الأسواق بارتفاع معدلات الإنتاج من جانب «أوبك +» حسب اتفاقها الأخير، مما أدى إلى زيادة الكميات المعروضة من الخام في الأسواق.

وقال الخبراء لـ «الجريدة»، إنه من الممكن أن تكون «أوبك +» قد تعجلت في تنفيذ قرارها الأخير بزيادة الإنتاج كما كان متوقعاً، إذ كان الأجدر بها أن تتريث قليلاً حتى تصل أسعار النفط إلى المعدلات المرجوة لها.

Ad

وأضافوا أن سياسة خفض الإنتاج التي اتبعتها «أوبك» منذ عدة سنوات عززت، دون قصد، زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي وإنتاجية دول أخرى، وترتب على ذلك تراجع حصة «أوبك» السوقية حتى أن معظم دولها لم تتمكن من تغطية العجز في موازنتها رغم ارتفاع الأسعار، فضلاً عن أنها لم تستطع خفض المخزونات العالمية بالشكل المطلوب.

وذكروا أنه مما لا شك فيه أن مراجعة «أوبك» لاستراتيجيتها بشأن الزيادة في الإنتاج إثر المعطيات الأخيرة أمر جيد، ويعطي انطباعاً بمرونة متخذي القرار بهذا الشأن، ليثبت مرة أخرى أن المنظمة قادرة على أن تكون صمام أمان للمحافظة على مستويات الأسعار في مقابل الطلب.

وكان وزير النفط د. محمد الفارس أفاد في تصريحات أخيراً، بأنه قد تتم خلال اجتماع «أوبك +» غداً، إعادة النظر في الزيادة التي وافقت عليها المجموعة الشهر الماضي، لأن «كوفيد 19» بدأ يأخذ موجته الرابعة في بعض المناطق، لافتاً إلى ضرورة الحذر في هذا الجانب، وإعادة النظر في هذه الزيادة (400 ألف)، لأنه قد يكون هناك إيقاف لها، خاصة أن اقتصادات شرق آسيا والصين لا تزال متأثرة بـ «كورونا».

وفيما يلي التفاصيل:

بداية، قال الخبير المتخصص في تكرير وتسويق النفط عبــــــدالحميــــد العـــوضـــي، إنــــــــــــــه لا يمكن لأحد أن يغفل أهمية النفط كركيزة أساسية لاستقرار الاقتصاد العالمي، لأنه يمثل نسبة 65 في المئة من حجم التجارة العالمية البالغة 3.65 تريليونات دولار سنوياً.

وأشار العوضي إلى أنه «مما لا شك فيه ان منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تسعى لتوحيد السياسات النفطية بين أعضائها، كما تسعى إلى استقرار الأسواق، في إطار مراعاة مصالح المستهلكين، بغرض تأمين إيرادات عادلة ومستمرة لأعضائها»، متسائلا عن كيفية أن تحقق «أوبك» تلك الحصة العادلة في سوق النفط عندما تسوده حالة من عدم الاستقرار واحتمالية الإنتاج العشوائي.

وقال إن سياسة خفض الإنتاج التي اتبعتها «أوبك» منذ عدة سنوات عززت دون قصد زيادة إنتاج النفط الصخري الأميركي، وإنتاجية دول أخرى، وترتب على ذلك تراجع حصتها السوقية، فمعظم دول «أوبك» لم تتمكن من تغطية العجز في موازنتها رغم ارتفاع الأسعار، إضافة إلى أنها لم تستطع خفض المخزونات العالمية بالشكل المطلوب.

تحديات تواجه «أوبك»

وتساءل العوضي: ما فائدة الأسعار العالية مقابل تضاؤل حصة «أوبك» السوقية، بينما تتعاظم حصة المنافسين والمستفيدين من الأسعار العالية؟ لافتا إلى انه مع انتهاء الربعين الأول والثاني من هذه السنة فمازالت حركة أسعار النفط البطيئة في صعودها تتراوح بين 60 و68 دولاراً للبرميل، لاسيما بعد اتفاق أبرمته «أوبك» مع 10 دول أخرى مصدرة للنفط لخفض أولي 9.7 ملايين برميل يومياً مدة شهرين بدءاً من مايو 2020، ويعدل الخفض الثاني إلى 7.6 ملايين برميل حتى نهاية 2020، والخفض الثالث يعدل إلى 5.4 ملايين برميل يومياً اعتبارا من بداية أغسطس 2021 بدلا من 5.9 ملايين برميل حتى نهاية 2022، متسائلا: ما التحديات التي تواجه «أوبك»؟

وتطرق العوضي إلى أثر السياسات الأميركية على أسواق الطاقة العالمية، مشيرا إلى الضغوط التي مارسها الرئيس الأميركي السابق ترامب خلال فترته الرئاسية بشأن تغيير قرارات «أوبك» لزيادة الإنتاج وخفض الأسعار لمصلحة زيادة إنتاج النفط الصخري، لافتا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية مسؤولة عن وقف تصدير النفط الإيراني والفنزويلي إلى الأسواق العالمية.

ضغوط أميركية

وتساءل: ألم تهدد أميركا دول «أوبك» باللجوء إلى القضاء وتفعيل القانون بحجة محاربة الاحتكار والتلاعب بالأسعار؟ ألم تستخدم أميركا مخزونها الاستراتيجي البالغ 640 مليون برميل بضخ بضعة ملايين من براميل النفط في السوق لخفض الأسعار؟ ومؤخرا ألم يطلب الرئيس الأميركي بايدن من «أوبك» زيادة إنتاجها، واستغلال ذلك لممارسة المزيد من الضغوط على إيران لتعديل الاتفاق النووي؟ لافتا الى أن أميركا تهدف من وراء كل ذلك إلى فرض الهيمنة كدولة عظمى على القرارات المتعلقة بالطاقة العالمية.

وأضاف «تبقى الخيارات محدودة جداً أمام «أوبك»، لعمل خفض جديد للنفط لصعوبة التحديات التي تواجهها، ولعل من أبرزها عدم التزام بعض أعضائها بالحصص المتفق عليها كما حدث في السابق، واضر بسمعة المنظمة ومصداقيتها، وإخلال منتجين آخرين ضمن قائمة اتفاق «أوبك+».

وخلص العوضي إلى القول إنه في كل الأحوال سيكون وضع «أوبك» معقداً في فرض مزيد من الخفض على أعضائها وعلى المنتجين الآخرين معها، وستضطر إلى عقد اتفاق مع الدول الفاعلة من خارج المنظمة لخفض الإنتاج العالمي، ولن تتمكن وحدها من عمل التوازن في الأسواق النفطية.

وذكر «ما نتمناه في الاجتماع القادم دعوة دولة قطر لتفعيل عضويتها في «أوبك» وتعزيز دور المحور الخليجي، لما تملكه قطر من علاقات جيدة مع كل المنتجين من داخل «أوبك» وخارجها».

الدول الصناعية

من جانبه، قال الخبير النفطي يوسف القبندي، إن تصريح الوزير الفارس الأخير بضرورة إلغاء الزيادة الأخيرة من إنتاج «أوبك» جاء نتيجة مخاوف لدى بعض أعضاء «أوبك بلس» من انخفاض الطلب خلال الربع الأخير من العام الحالي نتيجة أثر الموجة الجديدة لمتحور «كوفيد 19» والمعروف بـ«دلتا بلس»، كذلك مع الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الصين بفرض حظر جديد في بعض المناطق الصينية لمنع انتشار المرض، وهذا الأمر تفاعلت معه الأسواق العالمية نتيجة تخوف الأسواق من تراجع وتباطؤ اقتصادات الدول الصناعية عموماً والصين خصوصاً لأنها تمثل أهمية كبرى في استيراد النفط من دول «أوبك.

وأشار القبندي إلى أن مراجعة «أوبك» لاستراتيجيتها بشأن الزيادة في الإنتاج أثر المعطيات الأخيره بلا شك هو أمر جيد، ويعطى انطباعاً بمرونة متخذي القرار لمراجعة هذا الأمر ليثبت مرة أخرى أن المنظمة قادرة على أن تكون صمام أمان للمحافظة على مستويات الأسعار في مقابل الطلب.

وأعرب عن اعتقاده بأن هبوط أسعار النفط في الأسابيع الماضية هي «استراحة محارب»، وأن الأسعار ستشهد تعافياً خلال الفترة المقبلة لافتاً إلى أن هناك بوادر تحسن فى أرقام النمو للدول الصناعية وخصوصاً الولايات المتحدة خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء ووصول معظم الدول الصناعية للمناعة المجتمعية وبداية انفتاح النشاط التجاري.

زيادة المعروض

بدوره، قال الخبير النفطي أحمد كرم، إن تراجع أسعار النفط العالمية أخيراً جاء نتيجة تأثر الأسواق بارتفاع معدلات الإنتاج من «أوبك بلس» حسب اتفاقها الأخير، مما أدى إلى زيادة الكميات المعروضه من الخام في الأسواق.

وأشار إلى أن من الممكن أن تكون «أوبك بلس» قد تعجلت بتنفيذ قرارها الأخير بزيادة الإنتاج كما كان متوقعاً إذ كان الأجدر بها أن تتريث قليلاً حتى تصل أسعار النفط للمعدلات المرجوة لهم.

ولفت كرم إلى أنه من الصعوبة بمكان حالياً تغيير هذا الاتفاق بالسرعة القصوى، لأن اتخاذ قرار بتخفيض الإنتاج مرة أخرى سيضع «أوبك» في موقف محرج أمام الدول الصناعية والمستهلكة، كذلك ستكون مصداقيتها على المحك، مشيراً إلى أن أي قرار بخفض الإنتاج سيكون بمنزلة رسالة للعالم أجمع بأن المنظمة تسعى للأسعار العالية ضاربة بذلك عرض الحائط بالاحتياجات العالمية.

وأوضح أن «أوبك بلس» قد تكون قادرة على معاودة المحاولة لخفض إنتاج النفط في الاجتماع القادم لها من خلال وقف عمليات زيادة الإنتاج وتثبيتها على المعدلات الحالية.

وذكر أن أسعار النفط باتت تستقر عند 70 دولاراً للبرميل في الوقت الراهن، وهي مازالت منخفضة نوعاً ما عند بعض الدول المنتجة، متوقعاً أن تكون هناك إمكانية لمطالبات بعودة خفض إنتاج «أوبك» مجدداً من بعض الأعضاء وخصوصاً مع احتمال عودة إنتاج النفط الليبي للارتفاع في المستقبل القريب.

أشرف عجمي