طه حسين ينقد صاحب الأطلال نقداً حاداً وعنيفاً!
![د.نجم عبدالكريم](https://www.aljarida.com/uploads/authors/23_1682354851.jpg)
لما صدر ديوان "من وراء الغمام" للدكتور ناجي، تناوله د. طه حسين بالنقد العنيف، الذي تجاوز حدود المألوف، لما احتوى عليه من قسوة غير معهودة بالنقد الأدبي في ذلك الوقت، مع أن ناجي كان شاباً يافعاً في مُفتتح حياته الأدبية، لكن الدكتور طه كان صارماً وحاداً عليه، حيث كتب يقول: "نحن نكذب شاعرنا الطبيب إن زعمنا له أنه نابغة، بل نحن نكذب زعمنا له أنه عظيم الحظ من الامتياز، إنما هو شاعر تألفه النفس، يصبو إليه القلب، يأنس إليه قارئه أحياناً، ويطرب له سامعه، فإذا نظرنا إليه نظرة الناقد المُحلل الذي يريد أن يقسم الشعر أنصافاً أو أثلاثاً أو أرباعاً، لم يثبت لنا، أو يصبر على نقد، إنما يدركه الإعياء قبل أن يدركنا، ويفر عنه الجمال الفني قبل أن يفر عنا الصبر على الدرس والنقد والتحليل. وهو من بين هؤلاء الشعراء الذين يحسُن أن نستمتع بما في شعرهم من الجمال الفني، كما يتمتع بجمال الوردة الرقيقة الناضرة دون أن تشتط عليها بالتقليب والتعذيب. وهو شاعر هين ولين، رقيق، ولكن محدود، لا يستطيع أن يتجاوز الرياض المألوفة، ولا يرتفع في الجو ارتفاعاً بعيد المدى، إنما قُصاراه أن يتنقل في هذه الرياض التي تنبت في المدينة، أو ما حولها، ولا تكاد تبتعد عنها كثيراً، وهو إذا ألم بحديقة من الحدائق أو جنة من الجنات، لا يُحب أن يقف على أشجارها الشامخة في السماء، وإنما يُحب أن يقع على أشجارها المعتدلة الهينة، ويختار من هذه الأشجار أغصانها الرطبة اللدنة، التي تُثير في النفس حناناً إليها، لا إكباراً لها وإشفاقاً منها. وهو هنا شاعر رقيق، لكنه ليس مسرفاً في العمق، ولا مسرفاً في السعة، ولا مسرفاً في الحب الذي يحرّق القلوب تحريقاً، ويمزّق النفوس تمزيقاً. شعرهُ أشبه بما يسميه الفرنجة موسيقى الغرفة، التي تذهب بك كل مذهب، وتهيم بك فيما تعرف، وما لا تعرف من الأجواء".***الدكتور الناقد عندما يشبّه الشاعر بالحدائق والأشجار، كأنه يريد منه الارتفاع ليحلّق بقصيدته إلى الأجواء العليا، وقد فات الدكتور طه حسين أن ناجي ليس شاعر ملاحم، أو معلقات، بل هو شاب يأخذه الغزل والشوق والحنين. ويكفيه أن السامع لـ"الأطلال" عندما يرن في سمعه "هل رأى الحب سُكارى مثلنا" تأخذه النشوى، ولا يُلقي بالاً للنقد الأكاديمي، حتى إن كان كاتبه "عميد الأدب العربي" طه حسين!