عشرون عاماً من الحرب ووجود مكلف كلها جهود تم محوها في غضون أسابيع قليلة. طرح الفشل الأميركي في أفغانستان تساؤلات حول جدوى التدخلات الغربية في الخارج والصعوبات التي تواجهها لفرض نموذج للحكم.

ويبدو أن استيلاء طالبان على كابول من دون قتال، وكأنه عقوبة مدوية لمشروع شمولي سيئ التخطيط والتنفيذ، وفقاً لخبراء. فإلى جانب هزيمة الجيش الأفغاني الذي أنشأته واشنطن، تبين فشل سياسات أربعة رؤساء - جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن.

Ad

فقد واجهوا جميعهم النتيجة غير القابلة للحل لما بدأ كردّ على هجمات 11 سبتمبر 2001 ثم تحول إلى حرب استنزاف لتفادي عودة البلاد مجدداً لأن تكون ملاذاً جهادياً، في حين تعين عليهم إدارة أولويات استراتيجية أخرى مثل الحرب في العراق منذ عام 2003.

حاولوا قبل كل شيء إنشاء جيش أفغاني وتأسيس دولة قابلة للاستمرارية، لكن رغم مساعدات حكومية بالمليارات ومشاريع الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية، فإن "جهود المجتمع الدولي لبناء الدولة الأفغانية من الصفر وتعزيزها لم تتوج بالنجاح"، على حد قول سيرج ميخائيلوف من مؤسسة الدراسات والأبحاث التنموية الدولية.

ويؤكد أن بعض النجاحات قد حققت مستشهداً بـ "إنشاء أربع مؤسسات تعمل بشكل صحيح بين عامي 2002 و2005 هي وزارة المال والبنك المركزي ووزارة إعادة الإعمار والتنمية الريفية والاستخبارات العسكرية".

كما سمحت السنوات الـ 20 من الحضور عملياً لجيل من الأفغان بالعيش أحراراً من حكم "طالبان". لكن هذه النجاحات صمدت وسط المحسوبية والفساد.

وقال عبدالباسط الباحث في مدرسة س. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، "لم يكن هناك تماسك أيديولوجي داخل الجيش ولا حس بواجب الانتماء الوطني".

ويصف فساداً متأصلاً في صفوف الجيش كما في المجتمع المدني. ويشير إلى غياب مفهوم الدولة القومية في بلد تهيمن فيه العشائر والقبائل على الحياة الاجتماعية.

لكن، يقول ضابط عسكري أوروبي متخصص في التدريب طالباً عدم الكشف عن هويته، "يمكن تحسين أداة عسكرية لكن الأمر صعب جداً إذا لم تكن مدعومة بحوكمة موثوق بها، وفي حال لم تنجح في تجاوز التوترات العشائرية والقبلية وفي إنشاء بنى تحتية للتنمية الاقتصادية تسمح للدولة بدفع مرتبات جيشها". كما يتطرق إلى الحاجة لوضع أسس "اجتماعية وحكومية صلبة".

ويقف راء هذا الفشل أيضاً شعور بالتفوق من أول قوة عظمى في العالم واثقة من قيمها وضرورة تصديرها. ودان ديفيد لايك أستاذ العلوم السياسية في جامعة سان دييغو (كاليفورنيا) في هذا الصدد "الغطرسة" التي تدفع للاعتقاد بأن "كياناً أجنبياً يمكنه الانتقال إلى بلد ما وبناء دولة شرعية ووفية في آن".

من جهته، انتقد براهما شيلاني أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز أبحاث السياسات، وهو مركز أبحاث خاص مقره نيودلهي، "الكذبة الأميركية".

وقال إن "الولايات المتحدة لم تذهب إلى أفغانستان لبناء دولة بل للانتقام من هجمات 11 سبتمبر"، مضيفاً أن "الدول الأخرى كانت مسؤولة عن بناء الدولة. استثمرت الهند أكثر من ثلاثة مليارات دولار لشق الطرق السريعة وبناء المستشفيات والسدود والبرلمان".

على الرغم من العديد من الأمثلة اللافتة على الإخفاقات الأميركية في بناء قوات مسلحة محلية (فيتنام والعراق وأفغانستان) فإن التدخلات الغربية ليس مصيرها الفشل، كما يؤكد سيث جونز من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، مشدداً على نجاح الولايات المتحدة في كولومبيا، وأوروبا وفي البلقان.

لكنه قال إنه بعد النكسة الأفغانية "ستحجم الولايات المتحدة بشدة عن الانخراط في بناء دولة على نطاق واسع". وأوضح "من الصعب جداً القيام بذلك من الخارج ونادراً ما تكلل المحاولة بالنجاح".

يبدو أن حلفاء الولايات المتحدة يستخلصون أيضاً النتائج. "أنا لا أؤمن بالمساعدة في بناء دولة" قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لصحيفة لو "جورنال دو ديمانش" رداً على سؤال حول التدخل الفرنسي لمكافحة الإرهاب في مالي المستمر منذ عام 2012.

وأمس، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس خلال زيارة للعاصمة الباكستانية إسلام أباد، إن العمليات العسكرية ليست مناسبة "لتصدير شكل من أشكال الحكم على المدى الطويل"، مضيفاً أن المحاولة باءت بالفشل في أفغانستان ويجب تعلم الدروس المستفادة منها.

في المقابل، ذكر ماس أن التدخلات العسكرية مناسبة لإنهاء تهديد إرهابي أو حرب أو انتهاك لحقوق الإنسان.