في السنوات القليلة الماضية، أصدرت بريطانيا عملتها الجديدة، "فئتين منها"، والحديث هنا ليس عن المواصفات الفنية العالية الجودة، أو نوعية المادة التي استُخدمت في الصناعة، وهي من البلاستيك الناعم غير القابل للتلف أو التزوير، فالمختصون في هذا المجال يستطيعون شرح ذلك، ولكن الحديث هنا سيكون عن موضوع آخر لفت انتباهي.ففي فئة "الـ 5 جنيهات" تشاهد في الأعلى صورة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون شيرشل، وفي "فئة الـ 10 جنيهات" تشاهد بأسفلها صورة للأديبة البريطانية جين أوستن. لقد تم تقديم الأدب على السياسة في قيمة العملة!
ورغم أن ونستون شيرشل، حقق النصر لقوات التحالف في الحرب العالمية الثانية، وتقلد الوزارة البريطانية عدة سنوات، فإن له معارضين في الداخل، وما أكثرهم في الخارج!بينما الأديبة جين أوستن... لها دور كبير بنشرها الثقافة والأدب من خلال رواياتها، وقد عرفها العالم كله، وما زال أدبها منتشراً في كل قارات العالم، يُطبع بعدة لغات عالمية.ولم يقتصر تقدير الأدباء في بريطانيا ودول العالم المتقدمة الأخرى على وضع الصور على العملات فقط، بل في وسائل أخرى متعددة مثل طوابع البريد، وإنشاء متاحف خاصة بالأدباء، ولا يظن البعض أن المتاحف هي فقط للآثار، بل للمشاهير في الأدب والفن والثقافة ويؤمها الآلاف من الزائرين يومياً، لمشاهدة كل مقتنياتهم وتفاصيل حياتهم، وتباع مؤلفاتهم ويذهب ريعها غالباً للأعمال الخيرية والإنسانية.وفي الكويت، للأسف الشديد، تجاهل تام للأدب والأدباء، ومسؤولية ذلك تقع على عاتق الدولة، ومن هذا المنطلق للأمانة والتاريخ سأذكر الحقائق التالية:- في عام 1970، عندما تسلمت رابطة الأدباء الكويتيين الأرض المخصصة لها في العديلية، والتي تبلغ مساحتها 4000 متر مربع، كانت الرابطة عاجزة عن بناء المبنى، إذ لم يكن في ميزانيتها سوى 7000 دينار فقط، والمبنى يحتاج إلى مسرح كأهم مكان لمزاولة النشاطات، ومكتبة وغرف للمحاضرات وأثاث وكتب وغير ذلك، فبناؤه ليس كبناء بيت عادي. وفي ذلك الوقت لم يقف الرجال مكتوفي الأيدي، فباشر المرحوم الأديب عبدالله الدويش، لخبرته بالبناء، في الحفر لوضع الأساس وقواعد السرداب وصب السقف، وتوقف عند هذا الحد، لعدم توافر باقي تكلفة البناء، وحينئذ نهض اثنان من رجالات الرابطة هما الأستاذ عبدالرزاق البصير- رحمه الله- والأستاذ الدكتور سليمان الشطي- أطال الله في عمره، وقاما بجولة لجمع التبرعات، وعلى إثر ذلك تبرع المرحوم خالد الغنيم بمبلغ 3000 دينار، والشيخ صباح الأحمد- رحمه الله، بـ 5000 دينار، والشيخ سعد العبدالله بـ 15000 دينار... وأصبح الإجمالي 23000 دينار، بالإضافة إلى ما كان لدى الرابطة، وبدأ البناء يرتفع وتم إنجازه بالكامل، وتمت تغطية الاحتياجات الأخرى من مساهمات الأعضاء وتبرعهم بالأثاث والمطبخ والكتب، وكل هذه المساهمات والتبرعات النقدية والعينية من المال الخاص للمتبرعين، جزاهم الله ألف خير، ولم تساهم الدولة بفلس واحد!بعد مرور خمسين عاماً، كعمر افتراضي، تهالك المبنى وأصبح آيلاً للسقوط بتقرير المهندسين والخبراء الفنيين، ففي عهد الأمين السابق للرابطة الأستاذ طلال سعد الرميضي ومعه أعضاء المجلس، باشروا الاتصال بالمسؤولين لمناقشتهم في الأمر وحاجة الرابطة إلى بناء صرح ثقافي جديد يليق بالأدب والأدباء، ولكن ما تبرعت به الدولة كان لبناء السور وعازل السطح لمنع خرير المطر، والكساء الخارجي للمبنى، وقامت كذلك الشيخة د. سعاد الصباح بترميم المسرح وإنارته وعمل الديكور ومقاعد الجلوس ولها الشكر والثناء على ذلك.ومع كل تقديري للأيادي البيضاء وأدوارها في خدمة الأدب، فإن المسؤولية تقع على عاتق الدولة لبناء صرح ثقافي جديد لأدباء الكويت، يلتفت إليه العالم، ويفتخر به كل الكويتيين، ولتأكيد أن لدينا ثقافة وأدباء وكتباً ونشاطات أدبية تساير ركب الحضارة بين الأمم، وتكون مفخرة حقيقية للدولة.أدباء الكويت لا يطالبون بوضع صورهم على العملة كما فعلت بريطانيا، أو على طوابع البريد كما فعلت دول كثيرة في العالم، وكذلك أدباء الكويت عموماً غير مزعجين ولا يشاكسون الدولة في القضايا السياسية حتى يُتخذ منهم موقف بعدم بناء مقر جديد لرابطتهم.لا أدري لماذا الأدب والأدباء الكويتيون تم تجاهلهم لهذه الدرجة؟!
توابل - ثقافات
الأدباء الكويتيون في الأرفف العالية!
02-09-2021