كثّف مجلس الوزراء تفاعله مع الشأن الاقتصادي، خلال الأسابيع الماضية، وصولاً إلى تخصيص جلسة استثنائية يوم الأربعاء من كل أسبوع، لمتابعة مختلف الملفات الاقتصادية، لاسيما المرتبطة بمشاريع البنية التحتية ومعالجة أوجه الاختلال في المالية العامة.

ورغم وجاهة الفكرة، بشكل عام، في إعطاء الملف الاقتصادي أولوية أكبر ضمن الاهتمام الحكومي، خصوصاً في ظل تنامي العجز المالي وشح السيولة وأحادية الاقتصاد، فإن في التفاصيل ما يحتاج الى ما هو أكثر جدية من الاهتمام، وصولا الى برامج تنفيذ وإنجاز واضحة وحقيقية تتلافى أوجه الإخفاق المتكررة منذ سنوات.

Ad

فالمطلع على محاور الملفات الاقتصادية، التي ناقشها مجلس الوزراء خلال الاسابيع الماضية، يجد نفسه أمام مجموعة من الملفات يمكن تلخيصها كالتالي:

مشاريع متعثرة

1 - مشاريع متعثرة أو بطيئة التنفيذ تتعلق بالبنية التحتية، وهي مكررة منذ سنوات؛ مثل مدينة الحرير او ميناء مبارك او منطقة العبدلي الاقتصادية، وهذه مشاريع ظهرت للعلن بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003، دون تطور فعلي على أرض الواقع أو حتى آليات تنفيذ او قرارات بمحاسبة من عرقلها، خلال السنوات الماضية، حتى أصبحت كديباجة في أي بيان اقتصادي يسوّق لاهتمام الحكومة بالاقتصاد باعتباره أولوية، لكن دون شرط التنفيذ.

خطط لم تكتمل

2 - خطط مالية سابقة لم تكتمل، كخفض مصروفات الجهات الحكومية بـ 10 في المئة من ميزانية السنة المالية 2021 - 2022، دون بيان مصير أو أثر قرار مجلس الوزراء في عام 2020 بخفض مصروفات الجهات نفسها بنسبة 20 في المئة من ميزانية السنة المالية 2020 - 2021، أو خطط لتنويع الإيرادات العامة (معظمها ورد في وثيقة الاصلاح الاقتصادي والمالي الصادرة عام 2016) تم تنفيذها جزئياً أو لم تنفذ مطلقا، كإعادة النظر بلوائح أسعار إيجارات وأراضي ومباني أملاك الدولة والقسائم التجارية والصناعية ومزايا القياديين في الدولة.

إحياء المشاريع الملغاة

3 - مشاريع ملغاة تمت إعادة طرحها مجددا، مثل مشروع الطاقة المتجددة، وقد قرر مجلس الوزراء العام الماضي إلغاء مشروع الدبدبة دون ابداء الاسباب، ليعود مجددا هذا العام ويدمجه ضمن مشروع الشقايا للطاقة المتجددة، أو إعادة تشكيل لجان لملفات ناقشتها لجان سابقة في سنوات سابقة، ولا يعرف أين انتهت نتائجها، كتشكيل مجلس الوزراء للجنة حوكمة التصنيف السيادي الائتماني، الذي قرر عدد من وكالات التصنيف العالمية خفضه وتغيير نظرته المستقبلية سلباً.

رسم السياسة العامة

4 - مشاريع وخطط أقل من أن تكون على طاولة مجلس الوزراء، باعتباره راسماً للسياسة العامة للبلاد، كمناقشة مشروع استثمار جسر جابر، أو نشر شاحنات الوجبات السريعة (Food Trucks) في منطقة الصبية أو حتى انشاء سينما للسيارات، فهذه اختصاصات تتولاها جهات تابعة كبلدية الكويت او الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، إذ لا يليق أدبياً ولا حتى فنياً أن يناقش مجلس الوزراء في جلسة واحدة الآثار والتبعات السلبية لظاهرة تغير المناخ وخفض انبعاثات الكربون ويناقش أيضاً توزيع المطاعم والأكشاك والعربات المتنقلة في منطقة الصبية.

دعم العمالة

5 - معالجات لا تمثل حلولاً جوهرية لمشكلات السيولة وأزمة المالية العامة، مثل دراسة مدى إمكانية وقف صرف دعم العمالة الوطنية للعاملين بالقطاع الخاص لمن يبلغ إجمالي راتبه 3000 دينار وما فوق، كون العائد المالي الذي سيتم توفيره لا يقارن بدرجة انخفاض جاذبية العمل في القطاع الخاص، الذي تسعى الحكومة حسب تصريحاتها الى تشجيع الشباب للعمل فيه.

مؤشر جديد

6 - الجديد في بيان مجلس الوزراء هو اعلان التوجه لإعداد مؤشر جديد خاص يساهم في معالجة مواطن الخلل ووضع الحلول المناسبة، ويعزّز مواجهة الصدمات الاقتصادية في المستقبل، وهذه فكرة جيدة من حيث المبدأ، في وجود مؤشر يعطي تنبيهات عن الحالة الاقتصادية والمالية للبلاد إذا أُحسن اعداده، وأيضا اذا تم التعامل معه بجدية في اتخاذ قرارات وسياسات قبل وقوع أي أزمة.

أفكار جيدة

في الحقيقة، ثمة أفكار جيدة في العديد من بيانات مجلس الوزراء بشأن الاقتصاد والمالية العامة، خلال الاسابيع الاخيرة، خصوصا من جهة اعادة الاهتمام بالمشاريع المتعثرة والمتأخرة أو نوايا تقليص المصروفات وتنمية الايرادات، خصوصا غير النفطية، لكن العلة لم تكن يوماً في جودة الافكار بل في جدية التنفيذ، فلا قيمة لإحياء المشاريع ما لم نتلافَ أسباب تعثرها لسنوات أو يتم تقليص بضعة ملايين ربما لا تتجاوز أصابع اليدين من إلغاء دعم العمالة عن ذوي الرواتب المرتفعة، مقابل الموافقة دون سابق دراسة على تأجيل سداد أقساط القروض بقيمة تناهز 400 مليون دينار... فهذه كلها تناقضات تفضي إلى تكريس الفشل في تنفيذ أي مشروع أو سياسة.

قضايا ملحّة

بالطبع، من الجيد الحديث عن المشاريع المستقبلية الكبرى، لكن دون تجاهل القضايا الحاضرة الملحة، التي تتطلب حلولا عاجلة، كحل أزمة تمويل مدينة المطلاع وما يرتبط بها من تحديات تواجه القضية الاسكانية، او العمل على معالجة حقيقية للاطارات المليونية التالفة وفق المعايير الاستثمارية والبيئية، بدلا من الاحتفاء بنقلها من مقبرة الى اخرى، فضلاً عن قصور الحلول لمعالجة ازمة السيولة في البلاد، والتي لا تخرج عن اللجوء الى الاقتراض او استنزاف اصول احتياطي الاجيال.

ما يحتاج إليه اقتصاد الكويت ليس مجرد اجتماعات أسبوعية ببيانات تحتوي أفكارا جيدة او مقبولة، بل يحتاج إلى برنامج واضح بلا متناقضات، وآليات تنفيذ لا تهمل الجداول الزمنية، وجدية في المحاسبة، وجودة في الإنجاز، والأهم من ذلك كله عدم تحويل المستقبل إلى وهم، مقابل إهمال الحاضر بكل تحدياته على صعيد المشاريع أو مخاطر المالية العامة والاقتصاد.

● محمد البغلي