حدّد الاتحاد الأوروبي موقفه من إيران بكل وضوح، فقد أثبت حضور المسؤول الأوروبي المرموق أنريكي مورا تنصيب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن بروكسل ستطبّق سياسة التواصل والتنازلات مع الجمهورية الإسلامية بدل الانحياز إلى الشعب الإيراني في نضاله من أجل الحرية، وخلال حفل التنصيب، ظهر مورا وهو يجلس وسط قادة عدد من الجماعات الإرهابية المعروفة، منهم نائب أمين عام "حزب الله" نعيم قاسم، وزعيم "حماس" إسماعيل هنية، وكذلك وقف مورا لالتقاط صور ودّية مع كبار المسؤولين في النظام الإيراني من أمثال نائب وزير الخارجية عباس عراقجي.

وحتى في محادثات فيينا، أثبت مورا تعاطفه مع طهران أكثر من ضحاياها، فبدا في شهر ينونيو وكأنه يوافق على قرار الحكومة النمساوية بمنع المعارضين الإيرانيين السلميين من الاحتجاج خارج فندق "غراند هوتيل فيينا" ضد المحادثات النووية الإيرانية.

Ad

يخشى الاتحاد الأوروبي أن تُضعِف محاسبة طهران مسار المحادثات الراهنة، لكن الجمهورية الإسلامية انشغلت في المقابل بخطف إيرانيين ألمان، وإيرانيين نمساويين، وإيرانيين سويديين، وإيرانيين بريطانيين، لانتزاع تنازلات إضافية من القادة الأوروبيين.

هذا التخاذل يزيد جرأة النظام في طهران، فيحصل هذا الأخير على مبرر لخطف معارضين إضافيين في الغرب أو حتى قتلهم، ففي شهر ديسمبر الماضي، خطف النظام المعارض الإيراني المقيم في فرنسا روح الله زم وأعدمه بعد استدراجه إلى العراق، وشنقت طهران زم بسبب عمله في قناة "آمدنیوز" على تطبيق "تلغرام"، علماً أن تلك القناة كانت قد فضحت حجم الفساد المستفحل داخل النظام.

لم تتخذ إدارة بايدن أي موقف من زيارة مورا إلى طهران، مع أن هذه الخطوة كانت تستحق إدانة شديدة اللهجة، كذلك لم يوقف بايدن جهوده لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع أن مكتب التحقيقات الفدرالي كشف مخطط طهران لخطف الناشطة الإيرانية الأميركية مسيح علي نجاد المقيمة في نيويورك، وعلى غرار الاتحاد الأوروبي، أثبتت إدارة بايدن أنها تتوق إلى إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة بأي ثمن.

يستطيع رئيسي وسيده، المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، أن يَطْمَئِنّا إذاً إلى عدم دفع إيران أي ثمن مقابل أعمال العنف التي يعتبرانها ضرورية للحفاظ على سلطة النظام، بما في ذلك إطلاق النار على 1500 محتج خلال تظاهرات حاشدة في نوفمبر 2019. يفضّل مورا وأسياده على ما يبدو عدم تحدي نظام إسلامي ضعيف وهش لكنه خطير.

قد يدرك الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض قريباً أن العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة واسترضاء النظام الإيراني هما استراتيجيتان خاسرتان، ومن المتوقع أن يعقد رئيسي صفقة أكثر صعوبة مع إدارة بايدن خلال المحادثات النووية بعدما أدرك أن استفزازات طهران، بما في ذلك هجومها ضد ناقلة النفط "ميرسر ستريت" في 29 يوليو الماضي في خليج عمان، ستبقى بلا عقاب، كذلك، قد يعتبر النظام الإيراني زيارة مورا وجمود الغرب عموماً بمنزلة ضوء أخضر لمتابعة أعماله العدائية محلياً وإقليمياً.

إذا أراد القادة الأوروبيون حماية مواطنيهم ومنع الاعتداءات الإرهابية ضد الأراضي الأوروبية، فيجب أن يفرضوا العقوبات سريعاً على المسؤولين والمنظمات المتورطة بأخذ الرهائن وإعدام أي مواطنين من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، كذلك يجب أن تطالب تلك الأطراف بإطلاق سراح الرهائن الناجين فوراً كشرط مسبق لإطلاق الجولة المقبلة من المحادثات النووية في شهر سبتمبر.

حان الوقت كي يعترف القادة الأميركيون والأوروبيون إذاً بأن الالتزام غير المشروط بالدبلوماسية النووية دفعهم إلى التضحية بمعاييرهم في مجال حقوق الإنسان في إيران وعلى أراضيهم أيضاً، لكنّ هذه المقايضة لم تضمن تحسين الاتفاق النووي أو عقد أي اتفاق مقبول، بل إنها تُشجّع إيران على تصعيد حملاتها القمعية تزامناً مع المطالبة بتنازلات إضافية على طاولة المفاوضات.

● علي رضا نادر وبنيامين واينثال - ريل كلير