مع بداية عهد جديد تحت حكم حركة «طالبان» في كابول تراصت طوابير طويلة خارج البنوك وارتفعت الأسعار في الأسواق؛ لتؤكد هواجس الحياة اليومية التي تواجه السكان بعد سيطرة الحركة بسرعة مذهلة على المدينة قبل أسبوعين.ومن منظور «طالبان»، تمثل الصعوبات الاقتصادية المتزايدة أكبر تحدّ يواجه الحركة وسط هبوط قيمة العملة وارتفاع التضخم بما يزيد المعاناة في بلد يعيش فيه أكثر من ثلث السكان على أقل من دولارين في اليوم.
وحتى لميسوري الحال نسبياً، أصبح تدبير قوت اليوم الهمّ الشاغل في ضوء إغلاق الكثير من المصالح والمتاجر وعدم صرف المرتبات منذ أسابيع.وفي خطوة لإدارة عجلة الاقتصاد من جديد، صدرت أوامر للبنوك بإعادة فتح أبوابها، لكن تم فرض حدود أسبوعية صارمة على السحب النقدي، ولا يزال كثيرون يضطرون للوقوف في طوابير لساعات للحصول على بعض المال.وأدى انخفاض سعر الصرف إلى ارتفاع أسعار كثير من السلع الغذائية الأساسية يومياً، مما زاد الضغط على الناس، الذين فقدت مرتباتهم قيمتها وحال إغلاق البنوك بينهم وبين مدخراتهم.
حشود على الحدود
ومع توقف عمل مطار كابول، تركّزت الجهود الخاصة لمساعدة الأفغان الخائفين من انتقام «طالبان» على ترتيب ممرات آمنة عبر الحدود البرية مع إيران وباكستان ودول آسيا الوسطى.وقال مسؤول باكستاني عند معبر تورخام الرئيسي مع باكستان الواقع إلى الشرق من ممر خيبر: «عدد كبير من الناس ينتظرون فتح البوابة على الجانب الأفغاني».وذكر شهود، أن الآلاف تجمعوا أيضاً عند معبر إسلام قلعة على الحدود مع إيران.بنجشير
وفي تحدّ آخر، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مقاتلي طالبان وقوات «جبهة المقاومة الوطنية» بقيادة أحمد مسعود في ولاية بنجشير. وأفادت وسائل إعلام بأن قوات «طالبان» استولت على أحدة مناطق بنجشير كما عينت حاكماً جديداً على الولاية، لكن قوات مسعود أكدت أنها صدت الهجمات وكبدت الحركة مئات القتلى. وسياسياً جددت طالبان وعودها بإعلان حكومة موسعة بعد اجتماع كبير عقدته في قندهار. وأكد نائب رئيس المكتب السياسي لـ»طالبان» في قطر، شير محمد عباس ستانيكزاي، أن «الحكومة الجديدة ستعلن في غضون أيام ولن تضم مسؤولين رفيعي المستوى من الحكومة السابقة».ونقلت وكالة «بلومبرغ» الأميركية، عن العضو في اللجنة الثقافية للحركة بلال كريمي، أن الحركة وزعماء آخرين قبليين توصلوا إلى «اتفاق في الآراء» حول تشكيل مجلس حكم تحت قيادة الزعيم الأعلى للجماعة هيبة الله أخوندزاده.وذكرت شبكة CNN-News18 الهندية، بأن أخوندزاده سيكون المرشد الأعلى للنظام الجديد الذي سيبنى وفق النموذج الإيراني.عرض عسكري
ونظّمت الحركة، أمس، استعراضاً عسكرياً كبيراً في معقلها بقندهار ضم عشرات الآليات العسكرية من بينها عربات «هامفي» وسيارات دفع رباعي مصفحة الصنع، إلى جانب أسلحة جديدة استولت عليها وكانت عائدة للقوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي والجيش الأفغاني.كما نظمت عرضاً جوياً بمروحية من طراز «بلاك هوك»، استولت عليها، حلّقت قرب المسلحين على طول الطريق بينما كانت تحمل أيضاً علم «طالبان» الأبيض.في غضون ذلك، لا تزال أنظار العالم تتجه إلى مطار كابول حيث حطّت طائرة قطرية تحمل على متنها فريقاً فنياً لمناقشة استئناف عمليات الملاحة في المطار والبحث في تقديم المساعدة للحركة التي تؤكد أنها تريد الإشراف على أمنه وتجري محادثات مع تركيا لتديره على الصعيد اللوجيستي.قطر
وطلب وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن في مؤتمر صحافي في الدوحة مع نظيرته الهولندية سيغريد كاغ، أمس «طالبان» بـ«احترام حرية التنقل وأن يكون هناك ممر آمن لخروج وأيضاً لدخول الناس إذا رغبوا في ذلك».وبعد خطوة مماثلة من الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، أعلنت كاغ، أنّ بلادها قرّرت نقل سفارتها من كابول إلى الدوحة. وفي وقت سابق، أكدت الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يعمل مع القطريين لإقامة مكتب متابعة دائم في الدوحة، مهمته قيادة وتنفيذ سياسات الولايات المتحدة المقبلة تجاه أفغانستان.مأساة الحرب
وفي وقت اختتمت دبابات روسية تدريبات عسكرية في طاجيكستان، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس: «لمدة 20 عاماً كان الجنود الأميركيون حاضرين في هذه المنطقة، 20 عاماً لمحاولة جعل الذين يعيشون فيها متحضرين لترسيخ معاييرهم ومعايير حياتهم هناك، لكن النتيجة هي مأساة وخسارة للولايات المتحدة، وخسارة أكثر من ذلك لأولئك الذين يعيشون في أفغانستان. والنتيجة هي صفر، وحتى تحت الصفر».بدوره، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن أمله في أن يتخلى الغرب عن «محاولة فرض أنماط ديمقراطية غربية على الشعوب الأخرى».بايدن
وكان بايدن أكد، مساء أمس الأول، في خطاب إلى مواطنيه غداة إنجاز الانسحاب من أفغانستان، «أنا مقتنع بأنّه القرار الصحيح، القرار الحكيم، والقرار الأفضل للولايات المتحدة».وقال: «القرار بشأن انسحابنا لا يتعلق فقط بأفغانستان، بل بإنهاء حقبة من العمليات العسكرية الكبرى لإعادة تشكيل البلدان الأخرى»، مشدّداً على أن «عصر التدخل الأميركي لتشكيل دول أخرى انتهى».وتوعّد بايدن، الذي يتعرض بايدن لانتقادات كثيرة في بلده، تنظيم «داعش» بمزيد من الردّ.تنديد أوروبي
أوروبياً، شدد اثنان من كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي على أن تطورات الأحداث الأخيرة في أفغانستان تكشف ضرورة أن يسعى التكتل إلى استقلالية أكبر عن الولايات المتحدة.وأعرب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال عن قناعته بأنه يتعين على الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات ستتيح له الاستعداد بشكل أفضل لعمليات الإجلاء العسكرية المماثلة لتلك التي دارت في أفغانستان.بدوره، أقرّ مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل في مقال نشرته أمس، صحيفة «نيويورك تايمز»، بأن الأحداث في أفغانستان وجهت ضربة موجعة إلى الغرب، موضحاً أن أوروبا وأميركا خلال الحملة العسكرية في أفغانستان كانتا أكثر وحدة مما كان في أي وقت مضى.وتابع:»لكن في نهاية المطاف، توقيت وطبيعة الإجلاء تم تحديدهما في واشنطن، ونحن كأوروبيين وجدنا أنفسنا، ليس فيما يخص الإجلاء من مطار كابول فقط بل وبشكل أوسع، معتمدين على قرارات أميركية».وقال بوريل:»ذهبنا إلى أفغانستان جماعياً، لكن قرار الانسحاب اتخذ في واشنطن».4 أسباب وراء سعي تركيا لأداء دور في أفغانستان
لخص تقرير موسع نشرته «الجزيرة.نت» أسباب سعي تركيا للعب دور في المشهد الجديد في أفغانستان، وحصرها باربعة اسباب هي: أولاً - ورقة ضغط للتقارب مع واشنطن وأوروبا
يعتبر التقرير أن أحد الدوافع الحقيقية لوجود أنقرة في أفغانستان، هو حاجتها ورغبتها في امتلاك أدوات قوة وأوراق تفاوض فعّالة لتعزيز قدرتها على المستوى الإقليمي والدولي، مع الحرص على ضمان هامش أوسع من الاستقلالية في سياستها الخارجية.ويشير إلى أن تركيا تأمل أن تعيد حماية بوابة اتصال أفغانستان الوحيدة مع العالم عبر إدارة مطار حامد كرزاي في كابول وتشغيله، وسط حاجة واشنطن والأوروبيين إلى جهة تُدير الأزمة هناك ترميم علاقاتها المتوترة مع الغرب، خصوصاً أن وجودها في أفغانستان قد يكون أقل إزعاجاً لحركة طالبان مقارنة بأي قوة أخرى، بسبب الميول الإسلامية للحكومة التركية. لذا تأمل أنقرة أن وجودها الفاعل في أفغانستان سيُعزِّز من دورها بوصفها بديلاً إقليميا قوياً لعلاج الأزمات الناجمة عن الانسحاب الأميركي المستمر من المنطقة.ثانياً - استثمار العلاقات الجيدة مع «طالبان»
دائماً ارتبطت أنقرة بعلاقات طيِّبة مع الحكومة الأفغانية السابقة وحركة طالبان وحتى بعض الجماعات المسلحة الأخرى. ومن الواضح أن «طالبان» تحتاج إلى تركيا بقدر ما تحتاج أنقرة نفسها إلى البقاء في أفغانستان، إذ ترغب الحركة في تأمين قدر من الرعاية من قِبَل قوة مثل تركيا، كما تُدرِك الحركة مدى حاجتها إلى علاقات جوار وتفاعل على الساحة الدولية، والأهم مدى حاجة الحكومة التي ستشكلها إلى الحصول على اعتراف دولي لتجنُّب ما حصل معها بين عامَيْ 1996-2001 عندما أدَّى خطابها وسياساتها المتشدِّدة إلى عزلها وعدم الاعتراف بها. وفيما يبدو، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان يُدرِك بوضوح هذه الحقيقة حين صرَّح مؤكدا أن الوجود العسكري التركي في أفغانستان سيقوي يد الإدارة الجديدة في الساحة الدولية ويسهل عملها.ثالثاً ـ دواعي الجغرافيا والاقتصاد
جغرافياً، تحتل أفغانستان مساحة جيوسياسية مهمة تربط الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وشبه القارة الهندية، مما جعلها موضع تنافس بين قوى مختلفة. تدرك تركيا هذه الأهمية إذ وصف وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أفغانستان بأنها «قلب آسيا»، في إشارة إلى أن وجود تركيا في البلاد سيفتح لها آفاقاً لتوسيع نفوذها السياسي وزيادة فرصها الاستثمارية في الدول المجاورة. في السياق، تتطلع تركيا خاصة إلى مشروع ممر اللازورد (Lapis Lazuli corridor)، الذي يربط أفغانستان بتركيا عبر تركمانستان وأذربيجان وجورجيا، متجاوزاً إيران وروسيا والصين، ما سيرفع من قيمة تركيا الجيوسياسية باعتبارها ممراً مهماً للطاقة.بخلاف ذلك، يخدم الوجود في أفغانستان أحد أهم أهداف الرئيس التركي أردوغان المتمثل في تحويل تركيا إلى المركز السياسي للعالم الإسلامي، عبر وضعها على أعتاب آسيا الوسطى، موطن الكثير من الشعوب المسلمة الناطقة بالتركية. كما يعد توسيع النفوذ التركي في أفغانستان وآسيا الوسطى إحدى طرق المواجهة الجيوسياسية مع روسيا، خصم أنقرة التاريخي.رابعاً ــ مخاوف من أزمة لاجئين جديدة
كما تسعى أنقرة في تقاربها مع أفغانستان لاغتنام الفرص، فإنها تتحوَّط للمخاطر أيضاً. وعلى الرغم من أن تركيا لا ترتبط بحدود مباشرة مع أفغانستان، فإن أنقرة تعد أحد أكبر المتأثرين من أي أزمة سياسية أو اقتصادية في البلاد، التي قد تدفع موجات جديدة من اللاجئين عبر حدودها الشرقية مع إيران، ضمن مساعي هؤلاء اللاجئين إما للاستقرار في تركيا، وإما اتخاذها بوابة للاتجاه نحو أوروبا.تدرك الحكومة التركية على ما يبدو أن تصاعد أعداد النازحين من الأراضي الأفغانية، سوف يضعها في مواجهة سلسلة من الأزمات الداخلية، التي قد لا تستطيع مواجهتها إلا إذا امتلكت يداً للتفاعل مع الأزمة الأفغانية من الداخل. ويحتل اللاجئون الأفغان في تركيا المرتبة الثانية مباشرة بعد الجالية السورية، وهو وضع يقلق أنقرة بشدة، خصوصاً مع تصاعد الغضب الشعبي تجاه اللاجئين نتيجة الضغوطات المتزايدة على الاقتصاد التركي.