تشين مينير يضمن استمرار نفوذ شي جين بينغ إلى ما بعد 2030!
برز اسم تشين مينير على الساحة الدولية في المرحلة التمهيدية للمؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في عام 2017، وفي ظل توسّع الفرضيات حول إقدام أمين عام الحزب، شي جين بينغ، على اختيار خلفه في منتصف ولايته، بدا تشين مرشحاً مناسباً كي يصبح الزعيم الصيني المقبل، لكن لم يتحقق شيء من هذه التوقعات لأن شي جين بينغ خالف التقاليد وامتنع عن تحديد هوية الزعيم المرتقب.يقود حكّام المقاطعات الصينية وأمناء الحزب الحاكم المناطق التي تتمتع بمكانة اقتصادية مرموقة بقدر الدول الأوروبية، حيث تُعتبر الأهداف التقليدية المرتبطة بالنمو الاقتصادي، منذ أكثر من عشر سنوات، مقياساً أساسياً لتقييم الكفاءة السياسية، لكن في حقبة شي جين بينغ الجديدة، نشأ نظام متعدد الأوجه من القيم، فلا تقتصر التدابير الحديثة على الانسحاب من السوق والعودة إلى سياسات الحزب الشيوعي الصيني، بل إنها تطرح معايير إضافية لتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي وتعطيها تعريفاً معاصراً، وتتعلق تلك المعايير مثلاً بالابتكارات في مجال العلوم والتكنولوجيا وروابط الصناعة التي تُعتبر محورية لمتابعة النمو الصيني في عشرينات القرن الحادي والعشرين، فقد كانت مقاطعة "قويتشو" أساسية في هذا التطور التكنولوجي والبنيوي.بدأت الروابط مع مقاطعة "قويتشو" تصبح جزءاً من الخطاب الوطني للحزب الشيوعي الصيني بدءاً من المؤتمر الحزبي الثامن عشر، وفي المرحلة التمهيدية للمؤتمر التاسع عشر في عام 2017، ظهر "جيش تشيغيانغ الجديد" باعتباره طريقة مستحدثة لإعطاء طابع مؤسسي للعلاقات، لكن كانت المخططات قد بدأت لإنشاء جبهة ثانوية محورها "قويتشو". لا يمكن اعتبار "محور قويتشو" مجرّد جماعة سياسية ثانوية ضمن محور شي جين بينغ الجديد، بل تُعتبر مقاطعة "قويتشو" معقلاً للعلوم والتكنولوجيا، والتقنيات المتطورة، والمشاريع التكنولوجية الصناعية، والتنمية العسكرية والصناعية، ولهذا السبب، يمكن اعتبار "قويتشو" بمنزلة "جبهة ثالثة" للمشاريع التكنولوجية الصناعية، وهي بالغة الأهمية لتنفيذ استراتيجية التنمية الوطنية، وسيكون إنشاء جماعة متماسكة فيها أهم الشخصيات في الحزب الشيوعي الصيني في "قويتشو" عاملاً أساسياً لضمان الأمن القومي وبناء الأحزاب وطرح سياسة تكنولوجية وصناعية مستقبلية لفترة ما بعد عام 2020، على أن يصبح الوجه السياسي للتنمية الاقتصادية وحملة تخفيف الفقر جزءاً من أولويات السياسة البعيدة.
يُعتبر تشين مينير اليوم أعلى مسؤول مرموق في أوساط الحزب اليساري الجديد، وتحديداً "جيش تشيغيانغ الجديد" و"محور قويتشو"، وهذا ما يجعله قوياً وقادراً على التحكم في مستقبل الطرفَين، لكنه قد يشكّل أيضاً جسر تواصل لردم الاختلافات السياسية بين الأجيال.تجد الكوادر الناشطة صعوبة في الاقتراب من أحد مناصب القوة الوطنية على المستوى الوزاري قبل التقدّم في السن، ففي معظم الحالات، يكون تعيينهم في الوزارات من آخر الإنجازات في مسيرتهم السياسية، لكن تخلّص تشين من هذه الضغوط بين العامين 2012 و2013، حين تسلم منصب حاكم "قويتشو"، فقد سبق أن أصبح جزءاً من طاولة الكبار بعدما أمضى خمس سنوات في بناء شبكته السياسية، ثم خمس سنوات أخرى كأمين عام الحزب في "تشونغتشينغ". وصل تشين إلى منصبه في هذا العمر المبكر لأنه كُلّف بالتصدي لشخصيات يمينية في الحزب الشيوعي الصيني، من أمثال هو تشون هوا وصن زينكاي بقيادة لي كه تشيانغ، وأُقيل صن في عام 2017، لكن كان لي سيتفوق على شي جين بينغ لو طُبّقت القواعد المؤسسية، كذلك، أصبح هيو في مرحلة مبكرة المرشّح الأول لقيادة اليمينيين، وكان توسّع نفوذ تشين المبكر يعني أنه يستطيع التركيز على النشاطات السياسية الوطنية بدل مسيرته الخاصة، فهو يملك الآن فرصة جيدة لقيادة الجماعات السياسية من وراء الكواليس وتحديد المسار السياسي للصين خلال عشرينات القرن الحادي والعشرين.يتولى تشين اليوم منصب أمين عام الحزب الحاكم في "تشونغتشينغ"، وقد اقتصرت أهم ترقية في مسيرته على منصبه في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي الحزبي، ومن المنتظر أن يتسلم تشين منصب سكرتير الأمانة المركزية في حال ترقية وانغ هونينغ، وقد يؤدي دوراً مؤثراً أيضاً في الهيئة المركزية لفحص الانضباط. كذلك، قد يصبح تشين أميناً ممتازاً للمكتب العام، لكن يُعتبر هذا المنصب بمثابة تراجع في المرتبة مقارنةً بأي منصب آخر في اللجنة الدائمة، فقد سبق أن تلاشت الفرضيات التي تتوقع أن يصبح تشين قائد الصين الأعلى، لكن انتشرت أخبار حول احتمال أن يصبح رئيس الدولة في حين يبقى شي جين بينغ أمين عام الحزب الشيوعي الصيني، ويتماشى هذا الترتيب مع السياسات الشخصية السائدة، لكن سيبقى المنصب في اللجنة الدائمة متاحاً، وإذا لم يعد شي جين بينغ في السلطة بعد عام 2022، فستعمد أي قيادة جديدة إلى التخلص من تشين مينير قبل غيره.يرمز تشين إلى التطور المؤسسي المستقبلي في حركة اليسار الجديدة التي سيطلقها شي جين بينغ بعد عام 2022، فغداة تحديد الولاية بعشر سنوات، من المتوقع أن يُعاد ضبط الأفكار الأيديولوجية في الحزب الشيوعي الصيني وأن تتغيّر توجهاته، وحتى لو بدأت ولاية شي جين بينغ الثالثة خلال الفترة الممتدة بين العامين 2022 و2027، فمن المتوقع أن تتطور جميع الكوادر الأخرى في إطار الهياكل المؤسسية الممتدة على خمس سنوات وبناءً على قيود حزبية أخرى، ونتيجةً لذلك، ستنفصل الكوادر الأصغر سناً عن الحرس القديم في حركة "اليسار الجديد" وتُطرَح أفكار وتوجهات مختلفة في إطار هذه الجبهة، بما يتجاوز قيادة شي جين بينغ، وسيؤدي هذا الوضع إلى نشوء معسكر يساري أكثر تطرفاً، لأن الكوادر المرتقبة ستحاول إرضاء شي جين بينغ عبر تبنّي نزعات يسارية متشددة، أو قد تفضّل الكوادر الجديدة التي تتبنى مقاربة أكثر تساهلاً داخل الأوساط الراسخة في السلطة تقريب الحزب الشيوعي الصيني من اليسار الوسطي مجدداً. في الوقت نفسه، قد تشهد صراعات السلطة الداخلية نسخة مختلفة من المواجهة القديمة بين اليسار واليمينيين خلال عشرينات القرن الحادي والعشرين.ستكون مراقبة تطور "محور قويتشو" خطوة أساسية لتحديد معالم السياسة الداخلية والمواقف السياسية للكوادر الصينية، وقد تُحدد قيادة تشين مينير لهذه الجماعة الجديدة مصير عدد كبير من الصراعات السياسية المرتقبة داخل الحزب الشيوعي الصيني.
● تريستان كندردين - دبلومات
تشين يرمز إلى التطور المؤسسي المستقبلي في حركة اليسار الجديدة التي سيطلقها شي جين بينغ بعد عام 2022