بقايا خيال: التاريخ لا ينسى
بين الفينة والأخرى نقرأ ونسمع عن تقدم مجموعة من نواب لجان برلمانية بمشروع قانون، فنتساءل عن أسباب تقديم مثل هذه المشاريع بقوانين، وما دواعي أولوية تقديمها في مثل هذا الوقت، أقول هذا لأنه نمى إلى علمي أن بعض نواب لجنة حقوق الإنسان البرلمانية ستتقدم بمشروع قانون لتقرير قانون الحقوق المدنية والاجتماعية لفئة المقيمين بصورة غير قانونية (البدون)، وكأنهم لم يسمعوا بحكم محكمة التمييز الأخير المتعلق بتزوير الجناسي، ولا عن أن هناك أكثر من 400 ألف مزدوج كويتي لا يستحقون الجنسية الكويتية إلا بإسقاط جنسيتهم الأخرى، وأن أي مشروع قانون يتقدم به أي نائب سيسجل ضمن محاضر ومضابط مجلس الأمة، ويدرج ضمن مرحلة من مراحل تاريخ الكويت، فهل يعتقد هؤلاء النواب أن الكويتيين سينسون مثل هذه الأفعال غير الوطنية وغير الشعبية؟ فهذا مقطع فيديو انتشر قبل سنوات ظهر فيه رئيس المجلس مرزوق الغانم وهو يقدم أدلة على أن هناك أكثر من 400 ألف شخص حصلوا على الجنسية الكويتية دون وجه حق، وكأن هناك تزويراً في ملفات الجنسية، وحتى يومنا هذا لم يظهر في الأفق ما يشير إلى نجاحه في تأكيد ما توصل إليه قبل سنوات، فأيهما أولى بالدراسة وسن القوانين بشأنها، هل نتخلص من المزورين؟ أم نضيف إلى قائمة المزورين آلافاً أخرى؟ وحادثة التزوير في الانتخابات البرلمانية التي جرت في سنة 1967 لم ينسها التاريخ، ولم يتجاهل النواب والوزراء الوطنيين الذين قدموا استقالاتهم احتجاجاً على هذه الفعلة الشنعاء في حق الإرادة الشعبية. الوحيدون الذين تحدوا التاريخ وكأنهم "محاربون دونكيشوتيون"، وأداروا ظهورهم لهذه الحادثة المؤسفة هم المستفيدون من التزوير، حتى إن توهموا بأن التاريخ قد ينسى فيقوم بمجاملة المسيئين لمصالح أوطانهم، أو قد ينافق فيقوم بتحريف فصول أحداثه، بل إن التاريخ الوطني يذكر الحقائق كما هي، ولا يبرر لأفعال السياسيين عندما يرتكبون أخطاء تاريخية فادحة، لأنه يسجل الوقائع كما وقعت ويدون الأحداث مثلما جرت، لتحكم عليها الأجيال المتعاقبة.
إننا نؤكد لهؤلاء النواب أن التاريخ لن يبرر جهودهم على أنها وطنية التوجه بقدر ما سيدرجها ضمن الأفعال المشينة التي تمزق نسيجنا الوطني وهضم حقوق المواطن الأصيل لمصلحة غير الكويتيين، إلا إذا كان بين هؤلاء البدون من يستحق الجنسية الكويتية عن جدارة واستحقاق، فالتاريخ لا يرحم لأنه لا ينسى، ولا يفسر المقاصد، مثلما يفسر الحقائق، ولا يحلل المشاعر مثلما يحلل الأحداث، ولا ينظر في النوايا كما يتعمق في الأفعال، وعندما تنتقد مختلف فئات الشعب مثل هذه المشاريع البرلمانية، ما عدا المستفيدين منه، فليعلم هؤلاء النواب أن الأجيال المتعاقبة ستستمر في اجترار أحداثه وتذكره في كل مناسبة، بل الندم على انتخاب هذه النوعية من النواب الذين لم يدرسوا مشاريع القوانين بما يكفي لخدمة الوطن، حتى لو لم تكن لخدمة المواطن. أرجو ألا يكون ما وصل إلى مسامعي صحيحاً حول نية بعض النواب تقديم مشروع قانون لتقرير قانون الحقوق المدنية والاجتماعية لفئة البدون، أو المقيمين في البلاد بصورة غير شرعية، حتى لا نزيد على قائمة مشاكلنا مشاكل أخرى.