مسؤولية «الناتو» عن إنقاذ الأفغان

نشر في 05-09-2021
آخر تحديث 05-09-2021 | 00:00
وُجهت الكثير من أصابع الاتهام مقابل عدد لا يكفي من الأيادي المرفوعة للدفاع عن البشرية، والمبدأ التأسيسي للناتو هو أن الهجوم على المرء هو هجوم على الجميع، وبالمبدأ نفسه يجب أن يواجه الجميع التحدي الإنساني الكبير الذي تركه الناتو وراءه في أفغانستان.
 بروجيكت سنديكيت بصعوبة تبَقى القليل من الصفحات المشرفة في تاريخ ألبانيا بعد دورها البطولي في التصدي لعمليات الإبادة التي تعرض لها يهود أوروبا، خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يطلب أحد من أجدادنا المخاطرة بحياتهم، والتضحية بها في كثير من الأحيان، لإنقاذ الناس من الهولوكوست، ومع ذلك فقد فعل ذلك عدد لا يحصى من الألبان مسلمين ومسيحيين وملحدين، وبفضل قانون الشرف الألباني، الذي يطالبنا جميعا بتوفير المأوى للغرباء المحتاجين، كانت ألبانيا الدولة الوحيدة في أوروبا التي كان عدد مواطنيها اليهود في نهاية الحرب أكثر مما كان في بدايتها.

مباشرة بعد تلك التضحيات، تعرضنا للاضطهاد بصورة مباشرة، فبعد أن تغلبنا على أعدائنا في الخارج، واجهنا في الداخل نظاما بالقدر نفسه من الشراسة: نظام شمولي قمعي قام بسجن وتعذيب وقتل من اعتبرهم أعداء.

لقد ذقنا مرارة ما يقاسيه شعب أفغانستان اليوم بسبب تعزيز طالبان لسلطتها في جميع أنحاء البلاد، فقد عشنا في دولة أغلقت حدودها، واضطهدت المنشقين وعائلاتهم، تماما كما يُتوقع أن تفعله حركة طالبان مع خصومها، ولما يقرب من 50 عاما، كنا نطمح إلى التمتع بالحرية التي تذوقها الأفغان على مدار العشرين عاما الماضية، والتي من المؤكد الآن أنهم سيخسرونها.

وألبانيا اليوم عضو في حلف الناتو، وتتمتع بمزايا التعاون وتتقاسم أعباءه، وبالنظر إلى تاريخنا، من الصواب أننا كنا أول دولة في العالم توفر المأوى لآلاف اللاجئين الفارين من طالبان، وينبغي أن يعترف جميع أعضاء الناتو بمسؤوليتهم.

نعم، هناك أسئلة مهمة حول ما يحدث في أفغانستان ولماذا، وكيف ستشكل الأحداث الحالية مستقبل حلف الناتو، ولكن رغم أنه من الضروري إجراء محادثات نزيهة، فإنه لا يوجد سوى شيء واحد يجب القيام به الآن: العمل معا لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، ويجب أن نتمسك بقيم حلف شمال الأطلسي وتتقاسمها فيها جميع الدول الديموقراطية، وهذا يعني ألا ندير ظهورنا للأشخاص الذين تتعرض حياتهم الآن للخطر لأنهم وثقوا بنا.

فحتى أيام قليلة مضت، كان أعضاء الناتو هم المصدر الرئيس للدعم الموجه للشعب الأفغاني، ولا يمكننا أن نتراجع مثل الظلال، ونتخلى عن المُثل، والمبادئ، وما قطعناه من وعود بتحقيق الحرية والديموقراطية على مدى عقدين من الزمن، ولا يمكن أن يصبح أقوى تحالف عسكري في العالم، أنشئ لدعم تلك المُثُل في ظل ما تواجهه من تهديد باستخدام القوة، وقوة المثال، كياناً ضعيفاً في أعين الشعب الأفغاني، وملايين الأشخاص في أماكن أخرى ممن يتوقون للعيش في منطقة حرة وعادلة، ومجتمع ديموقراطي، ويجب علينا جميعا، أن نمنح الأمل والمأوى وحياة جديدة لجميع أولئك الذين وثقوا بنا، وعملوا معنا، وكافحوا من أجل وعد المستقبل الذي كنا نمثله.

عندما وافقنا على إيواء اللاجئين الأفغان، فعلنا ذلك لأننا نتعامل بجدية مع التزاماتنا تجاه حلفائنا، ولكن الأهم هو أننا فعلنا ذلك لأننا من نحن، وقبل 30 عاما فقط، كُنا الأفغان على ساحل البحر الأدرياتيكي، نحاول يائسين الهروب من "طالبان الحمراء" في تيرانا، والتي فتحت أبوابنا خلال حرب كوسوفو لإيواء نصف مليون لاجئ هارب من التطهير العرقي في صربيا، في عهد سلوبودان ميلوسيفيتش، ونحن على دراية جيدة بجميع جوانب الاستبداد، سواء عندما يترك في أيدي نظام وحشي أو عندما نسعى إلى بناء حياة جديدة بصفتنا لاجئين في بلدان أخرى. لقد علمتنا هذه التجارب أنه ليس الخطر هو الذي يخلق الخوف، بل الخوف هو الذي يخلق الخطر.

إن ألبانيا ليست دولة كبيرة ولا غنية، وليست منفصلة عن الحقائق المعقدة لأوروبا، بما في ذلك النظر إلى الهجرة في كثير من الأحيان على أنها عبء، فنحن نعلم أن الخوف من الغرباء يؤثر على الاقتراع، والانتخابات، والتزامات الأحزاب، والسياسيين الذين يسعون للفوز بالمناصب، ونحترم الخيارات الصعبة التي يتعين على جميع البلدان الأخرى اتخاذها، ولكن، عندما نواجه خياري الحياة أو الموت المتعلقين بالأشخاص الذين نلتزم بمساعدتهم، يصبح طريقنا واضحا.

إن الإخفاق في التصرف الآن يعني أن ندير ظهورنا لتاريخنا وننسى ما تعلمناه من مآسي القرن الماضي، وسيكون ذلك إهمالا لذكرى العديد من الجنود القتلى، ومحو التضحيات التي لا حصر لها، والتي قدمت على مدى 20 عاما في ميدان القتال، في حين تُذكر حركة طالبان والقسوة التي تجسدها الإنسانيةَ، مرة أخرى، بأن الشر لا يموت أبداً.

إن ألبانيا مستعدة لتحمل نصيبها من العبء الذي يجب أن تتحمله معها جميع دول الناتو، لكني أتساءل الآن: إذا كانت حتى ألبانيا، العضو الأفقر في الحلف، تستطيع إدارة نصيبها من العبء، فمن الدول الأعضاء الأخرى في الناتو التي لا تستطيع ذلك؟ وأي عذر سياسي يمكن أن يكون قوياً بما يكفي لإلحاق الهزيمة بالتزاماتنا الإنسانية الأساسية؟

لقد وُجهت الكثير من أصابع الاتهام مقابل عدد لا يكفي من الأيادي المرفوعة للدفاع عن البشرية، والمبدأ التأسيسي للناتو هو أن الهجوم على المرء هو هجوم على الجميع، وبالمبدأ نفسه، يجب أن يواجه الجميع التحدي الإنساني الكبير الذي تركه الناتو وراءه في أفغانستان.

* رئيس وزراء ألبانيا.

● إيدي راما - بروجيكت سنديكيت

من الصواب أن ألبانيا كانت أول دولة في العالم توفر المأوى لآلاف اللاجئين الفارين من «طالبان»
back to top