بعد نحو أربعة أسابيع، سيخوض العراقيون إحدى أعقد التجارب الانتخابية، وخامس اقتراع منذ سقوط الدكتاتور صدام حسين، بسبب عزوف شعبي واسع من حراك «تشرين» الشعبي والقوى العلمانية، كاد يرجئ هذا الاستحقاق؛ لولا عودة مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري عن قراره بالمقاطعة.ويبدو رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي هو الأكثر استياء من عودة الصدر، إذ عمل طيلة أسابيع على إبقاء خصمه القديم خارج السباق كي يتسنى له إعادة جمع أنصاره ومحاولة الدخول للمنافسة على رئاسة الحكومة، فكثّف اتصالاته بالقوى التقليدية وزار خصومه في أربيل، لكن أبرز خطواته في هذا السياق جاءت باسترجاع المواجهة الكلاسيكية بينه وبين التيار الصدري.
فخلال عشرة أيام، أطلق المالكي حرباً كلامية حادة ضد الصدر عملت على تسخين ماراثون الانتخابات، الذي بدا باهتاً وبارداً هذه المرة بسبب احتمالات التأجيل والشكوك الكبرى حول نزاهة الاقتراع بوجود التوتر الأقصى بين الدولة والفصائل المسلحة الموالية لإيران.وتقول الصالونات السياسية في بغداد، إن المالكي الذي غادر منصبه منذ عام 2014، لم يكن متفائلاً بإمكانية العودة إلى الواجهة السياسية بعد غياب طويل خصوصاً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إذ سرقت الأضواء مواجهة كبيرة بين قوى الاحتجاج المدني والفصائل الموالية لإيران، ووقع خلال ذلك أكثر من ثلاثين ألفاً بين قتيل وجريح، وما تخلله من حرق لمقرات الأحزاب المقربة على إيران وقنصليات طهران في جنوب البلاد.وتضيف المصادر، أن حلفاء المالكي في الفصائل المسلحة شجعوه بأن ينوب عنهم في المواجهة مع الفريق الداعم لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، لأن المجاميع المسلحة تكاد تكون خسرت معركتها أمام الرأي العام وباتت تمثل الفوضى وقوى «اللا دولة» في عرف المجتمع والمحيط الإقليمي والدولي المؤثرين.لكن إعادة تأهيل المالكي لا تبدو مهمة يسيرة أبداً، لاسيما أن أجواء بغداد تفيد بأن عودة الصدر إلى التنافس الانتخابي جاءت خصوصاً لدعم التجديد لمصطفى الكاظمي، مقابل محاولة الفصائل انتهاز الفرصة وتعظيم مقاعدها في البرلمان لقطع الطريق على رئيس الحكومة الذي خاض أوسع المواجهات مع الحشد الشعبي المظلة الرئيسة للميليشيات، منذ صيف 2020.ويحاول المالكي تذكير الجمهور بأنه أول من واجه الميليشيات عام 2008، لكن ذلك لم يعد ذا مغزى بعد هزيمته الكبيرة أمام تنظيم داعش الذي اجتاح شمال البلاد في غضون أيام عام 2014، ويجري استرجاع تلك المناسبة كثيراً هذه الأيام على وقع اجتياح طالبان السهل لأفغانستان، كما أن المالكي كرس سنواته الأخيرة في دعم الفصائل ضد كل خلفائه في منصب رئيس الحكومة.وتشير مصادر مقربة من هيئة الحشد إلى أنها لا تطمح إلى دعم رئيس وزراء محدد، كما تدرك أنها لن تتمكن من ترشيح رئيس للحكومة من بين صفوفها، لكن المناورة بورقة المالكي أو أسماء أخرى، هي أمر طبيعي في محاولة منع الكاظمي من التجديد في المنصب.ورغم خلافات شديدة بين الأحزاب التقليدية، غير أن هناك شبه إجماع خصوصاً بين الزعيم الكردي الأبرز مسعود بارزاني والتيار الصدري، على دعم مرشح للحكومة بعيد عن إيران قدر المستطاع، ويمكنه أن يرضي الحد الأدنى من غضب تنسيقيات حراك «تشرين» الذي يقاطع أغلبه اقتراع الشهر المقبل.وسواء تقدم الصدر أم الفصائل في الانتخابات، فالمتوقع على نطاق واسع أن تثار سجالات حادة على نتائجها وسط توقعات متواترة بإمكانية التلاعب بها، مما برر مقولة باتت سائدة في العراق هذه الأيام، وهي أن تأجيل الانتخابات مشكلة، لكن إجراءها وسط هذه الأجواء المشحونة، مشكلة أكبر.
أخبار الأولى
المالكي ينوب عن الفصائل في مواجهة الصدر
05-09-2021