مع اقتراب موعد قيام وكالات التصنيف بمراجعة جديدة للتصنيف السيادي للكويت في آخر سبتمبر الجاري، أي على بعد أسابيع قليلة، والذي سينعكس على القطاع المصرفي، فضلاً عن مراجعة أخرى من وكالة مختلفة في غضون ثلاثة أشهر تقريبا، وتحديدا في أواخر ديسمبر المقبل، أطلقت الأوساط الاقتصادية تحذيرات مبكرة في اتجاه السياسة المالية والاقتصادية في البلاد للإسراع باتخاذ التدابير اللازمة لوقف نزيف الخفض على أقل تقدير. واقعياً ومن خلال المراجعات التي تقوم بها كل وكالات التصنيف يبدو الخلل جلياً وواضحاً من جناح السياسة المالية، في حين تكون السياسة النقدية متفوقة بشهادة مختلف الوكالات العالمية رغم البيئة المحيطة التي تعمل فيها، ويعكس وجه هذه السياسة الكفاءة المالية للبنوك المحلية.
وتجدر الإشارة إلى أنه وفقا لشهادات أكبر وكالات التصنيف «فيتش، وموديز، وستاندرد أند بورز» فإنها لا تعتمد في منهجياتها للتصنيف السيادي على عنصر تقييم الالتزامات الطارئة الناشئة عن الضمان الحكومي للودائع، بل تعتبره عنصر دعم إيجابي ليس إلا، وذلك عند تصنيف البنوك المحلية، إذ يعد عامل ثقة واستقرار لا أكثر. وبالتالي فإن البنوك تستمد قوتها أساسا من مراكزها المالية والتزامها بالحوكمة والمعايير الدولية المطبقة وكذلك المخاطر التشغيلية، مرورا بكفاءة النظم الرقابية المطبقة التي يلتزم بها البنك المركزي، وواقعياً وعلى مدار عقود تحظى بالثناء والإشادات من كل وكالات التصنيف، إذ تتبع سياسات حصيفة وتحوطية استباقية متشددة، مع تطبيق كل المعايير الرقابية بنسب أعلى من المطلوب مما يجعل القطاع في منطقة أمان دائمة. وليس أدل على ذلك من الاختبار القاسي الأخير المتمثل في أزمة «كورونا»، التي ضخت خلالها المصارف نحو مليار دينار في مفاصل اقتصادية، فضلا عن تحملها أكثر من 330 مليون بسبب عملية تأجيل القروض في المرة الأولى، وهو ما كان ليتم لولا قدرتها المالية على استيعاب صدمات الأزمة أولا، والوفاء بالتزاماتها تجاه السوق.
مفترق طرق
وفيما يخص ملف التصنيف المرتقب أواخر سبتمبر الجاري وديسمبر المقبل، واللذين سيمثلان مفترق طرق، خصوصا بعد خفض التصنيف مرتين، وتأثر تصنيفات بعض البنوك بسبب خفض التصنيف السيادي، ليس لأسباب مالية تخص المصارف التي تخضع للمراجعة التلقائية بعد تأثر التصنيف السيادي للدولة، حذرت أوساط اقتصادية ومصرفية من أن ما يحققه البنك المركزي من جهود في حماية القطاع والوصول به إلى مستويات تنافسية عبر بناء قطاع قوي داعم للاقتصاد والتنمية، يقابله ضعف الإجراءات المقابلة من السياسة المالية والاقتصادية.وبنظرة على العوامل التي تدفع نحو تخفيض التصنيف الائتماني السيادي وإسقاط تلك العوامل على أرض الواقع، والتي يجب أن تعالجها الحكومة بشكل عاجل، يتضح أن من أبرز الأسباب التي لا تزال قائمة دون معالجة: 1 - استمرار العجز المرتفع للموازنة العامة على المدى المتوسط.2 - عدم وجود ترتيبات تمويلية شاملة ومستدامة ومتفق عليها. 3 - عدم قدرة الحكومة على تنفيذ الإصلاحات المالية على أرض الواقع بجدية. 4 - عدم القدرة على تمرير قانون الدَّين العام.5 - عدم تنويع مصادر الدخل وإيجاد مصادر أخرى لتمويل عجز الموازنة. 6 - استمرار حالة المواجهة بين الحكومة ومجلس الأمة. 7 - زيادة مخاطر السيولة الحكومية. 8 - اقتراب الأصول السائلة لصندوق الاحتياطي العام من النضوب.9 - تراجع قدرة الحكومة على دفع قيمة السندات الدولية المستحقة في السنوات المقبلة. 10 - الزيادة في الدَّين الحكومي الناتج عن عدم القدرة على تنفيذ إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة، مع انخفاض هيكلي لأسعار النفط. 11 - استمرار ضعف القوة المالية للحكومة على المدى المتوسط. 12 - عدم صدور تشريع يسمح بالنفاذ إلى أصول صندوق الأجيال.13 - غياب التدابير الاستثنائية الملموسة التي تضمن الاستمرار في الوفاء بالالتزامات.14 - التآكل المستمر لمتانة الأوضاع المالية والخارجية، نتيجة استمرار انخفاض أسعار النفط، أو عدم القدرة على معالجة الاستنزاف الهيكلي للمالية العامة.عوامل تدفع نحو رفع التصنيف
في المقابل، ثمة عوامل تدفع وكالات التصنيف نحو رفع التصنيف السيادي، ولا يكفي كونها مكتوبة أو واضحة، إلا أنها واجبة ومُلحَّة، لا سيما أن المراجعة المقبلة ستكون مؤثرة بشكل أعمق.ومن أبرز المؤشرات الداعمة لرفع التصنيف: 1 - اعتماد الحكومة استراتيجية تمويلية واضحة ومستدامة.2 - تمرير قانون يسمح بإصدار الدَّين العام بانتظام. 3 - صدور تشريع يسمح بالنفاذ إلى أصول صندوق الأجيال القادمة. 4 - وجود أدلة تؤكد قدرة المؤسسات والنظام السياسي على مواجهة التحديات المالية طويلة الأجل، من خلال إجراءات لتنفيذ خطة واضحة، للحد من العجز في الميزانية العامة. 5 - التحسن المستدام في القوة المؤسساتية ومعايير الحوكمة. 6 - التوافق بين الحكومة ومجلس الأمة.7 - توافر سياسات حكومية أكثر سلاسة، ويمكن التنبؤ بها. 8 - تحسين فاعلية السياسة المالية من خلال تحسين القدرة على الاستجابة للصدمات. 9 - المُضي قُدماً في تنفيذ الإصلاحات المالية التي تقلل بشكل جوهري وملموس من متطلبات التمويل للموازنة العامة.10 - مدى تحسُّن وتعافي الآفاق الاقتصادية. 11 - مدى التقدم في تنفيذ برامج الإصلاح الهيكلي. وبنظرة إلى ما سبق من عوامل خفض أو رفع التصنيف يتضح أن كل العوامل مرتبطة بأربعة عناصر أساسية جميعها مركزة في السياسة المالية التي تخص زيادة الإيرادات وخفض المصاريف وهيكلة الميزانية، والسياسية الاقتصادية الممثلة بوضوح الرؤية المتعلقة ببيئة ممارسة الأعمال التجارية وإنشاء قطاعات اقتصادية جديدة وملف الخصخصة وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية. وبذلك، تختصر وكالات التصنيف النظرة العامة في 5 عناصر أساسية هي: القوة الاقتصادية، وقوة المالية العامة، وقوة المؤسسات، والحوكمة، والمخاطر الجيوسياسية. ويحذر مراقبون من أن تأتي المراجعة الثالثة دون أي تغيرات تذكر، وتستمر حالة تغير النظرة غير الإيجابية مع وقوع خفض ثالث ورفع مخاطر السوق الكويتي، مما سيزيد الكلفة محلياً على القطاعات الاقتصادية في ممارسة أنشطتها وحتى على الدولة ذاتها في حال رغبت بالاقتراض.أرقام تؤكد القوة المالية للبنوك
• ضخت البنوك سيولة خلال أزمة الجائحة في شكل توزيعات نقدية نحو 750 مليون دينار، 500 مليون في عام 2019، ونحو 246 مليوناً في 2020. • شهدت محفظة التمويل زيادة بنحو 2.5 مليار دينار خلال عام 2020 منها نحو 1.8 مليار محلياً مما ساهم في تخفيف الآثار والتداعيات. • 14 مليار دينار حجم محفظة القروض الشخصية التي تم تأجيلها من البنوك وكلفتها نحو 330 مليوناً. • 5 مليارات دينار تقريباً حجم محفظة قروض الشركات التي تم تأجيلها وبسبب ذلك حرمت البنوك من تدفقات ضخمة لكنها كانت في سبيل دعم عملائها ومساعدتهم على التعافي. • تعتبر أزمة الجائحة أكبر أزمة في العصر الحديث منذ أزمة المناخ، ولم تتدخل الدولة في دعم مراكز البنوك أو دعم سيولتها، ولم تبرز أي مشاكل تتمثل في شراء ديون أو مديونيات صعبة أو هيكلة وإنقاذ مصرف.