لبنان: ميشال عون متحمس لمعركة إسقاط البرلمان
فرصة أخيرة لتشكيل الحكومة... و«حزب الله» محرج بين بعبدا وبري
تتشعب الصراعات السياسية بين القوى اللبنانية المختلفة، وكل الحركة الدائرة على خطّ تشكيل الحكومة لها أبعاد أوسع من الجانب التقني والصراع على الحقائب والحصص أو حتى على النفوذ، في معركة انعدام ثقة بين الأفرقاء المختلفين، تنعكس على كل الملفات والاستحقاقات. وفي الصورة الظاهرية للمشكلة، ينعكس صراع "سني ــــ مسيحي" له علاقة بأبعاد تشكيل الحكومة، والصراع على الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير، وهي تتعلق بأبعاد الصراع بين الرئاسة الأولى والثانية، أي بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، مما يعطي انطباعاً طائفياً للصراع، فيتحول إلى شيعي ـــــ مسيحي.لماذا هذا الكلام؟ لأن الأزمة اللبنانية تقترب من الخطر أكثر فأكثر، بسبب الصراع على النفوذ وعلى الوجهة السياسية للبلد. ويعتبر رئيس الجمهورية أنه يخوض معركة ضد قوى "اتفاق الطائف" أي القوى السياسية التقليدية والتي تتمثل بنبيه بري وسعد الحريري ووليد جنبلاط، وهناك من يعتبر أن عون لن يتنازل عن معركته هذه، فهو نجح في دفع الحريري إلى الاعتذار والخروج من المشهد، وحالياً لا بد من استخدام معركة تشكيل الحكومة لمواجهة برّي وتوجيه ضربة سياسية له، إما بتشكيل الحكومة وفق الشروط التي يريدها رئيس الجمهورية، أو في حال استمر تعطيل التشكيل فيكون الاتجاه للاستقالة من المجلس النيابي.
بعض المعلومات تشير إلى أن عون متحمس جداً لخطوة الاستقالة من المجلس في المرحلة المقبلة، وبذلك يوجه ضربة قوية لبرّي، وهناك من يعتبر أن عون يستند في ذلك على تنسيق بينه وبين النظام السوري، لضرب كل القوى التقليدية التي يعتبرها النظام السوري أنها خذلته وتركته في منتصف الطريق أو انقلبت عليه. الصراع بين عون وبرّي مفتوح على أبعاد مختلفة، تبدأ من العناوين العريضة وتصل إلى حدود التفاصيل اليومية. يتهم رئيس الجمهورية رئيس المجلس بأنه هو الذي عرقل له عهده، وأنه لم يمنحه فرصة تحقيق أي إنجازات. في المقابل، يتهم بري عون بأنه يأتي إلى الحكم في عقلية الانقلابي الذي يريد تدمير كل شيء وتجاوز الدستور وحصر كل الصلاحيات بشخصه وحده، وهذا أمر لا يمكن التساهل فيه. في هذه المعركة يبدو "حزب الله" محرجاً، ولطالما حاول عون استمالة الحزب إلى جانبه ويقول: "لا نجد حليفاً إلى جانبنا في مواجهة الفساد". طبعاً لن يكون الحزب موافقاً على الوقوف في صف عون بوجه برّي بأن ذلك سيؤدي إلى أزمة كبرى داخل البيئة الشيعية. تحت الخطوط العريضة للصراع، يبرز الخلاف على التفاصيل وخصوصاً في عملية تشكيل الحكومة، فمنذ اليوم الأول بدأ رئيس الجمهورية التصويب على حصة نبيه بري وخصوصاً وزارة المالية، وبعد النجاح في تثبيتها من حصته، طالب عون بوزارة الزراعة لانتزاعها من حصة رئيس المجلس. في المقابل، يضع برّي شرطاً أساسياً على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي للمشاركة في الحكومة، وهو عدم منح الثلث المعطل لرئيس الجمهورية.أمام هذه الوقائع، لم تنجح كل الوساطات حتى الآن في الوصول إلى اتفاق على تشكيل الحكومة. لم يؤد الاتصال الفرنسي الإيراني إلى حلّ، في حين حصل تدخل أميركي في الأيام الماضية لكنه لم يكن كافياً وفق ما تؤكد مصادر سياسية بارزة. وأصبح لبنان أمام احتمال من اثنين، إما أن ينجح ميقاتي في تشكيل حكومة تكون حصة رئيس الجمهورية فيها الثلث المعطل، وهذا أمر شبه مستحيل، أو تستمر المراوحة. هناك من يعتبر أن عون يطالب بالثلث المعطل ليكون مسيطراً على الحكومة، ولإسقاطها ساعة يشاء فتتحول إلى تصريف أعمال، وعندها يكون لديه مبرر لعدم تسليم السلطة إلى حكومة تصريف أعمال خصوصاً في حال عدم إجراء الانتخابات النيابية. أما في حال عدم تشكيل الحكومة، فإن ذلك يعني أن المعركة ستنتقل إلى المجلس النيابي في محاولة لإسقاطه.