بعد نحو أسبوعين من تلويح الرئيس الأميركي جو بايدن باعتماد «خيارات أخرى» إذا لم تنجح الدبلوماسية في حل الأزمة النووية الإيرانية خلال استقباله رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، كثفت الإدارة الأميركية مساعيها بحثاً عن بدائل في حال فشلت مفاوضات فيينا مع إيران، التي تبحث إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وشؤوناً إقليمية أخرى والمتوقفة منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر.ووصل المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي إلى موسكو أمس، في مستهل جولة تشمل باريس من أجل بحث الملف النووي الإيراني.
وأكد مسؤول أميركي، أن مالي سيبحث البدائل المطروحة في حال رفضت طهران العودة إلى طاولة المفاوضات أو وضعت شروطاً ترفضها واشنطن، خلال محادثاته في موسكو وفي باريس حيث سيجتمع مالي بمسؤولين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي غداً.وأشار إلى أن مالي «سيركز على مصير الدبلوماسية النووية مع إيران وإلى أين ستتجه»، وليس على اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المقرر الأسبوع المقبل الذي يتوقع أن يشهد انتقادات حادة لطهران.ولفت إلى أن واشنطن ما زالت لا تعلم متى يمكن استئناف المحادثات فيما يحرز البرنامج النووي الإيراني تقدماً باتجاه تصنيع المواد اللازمة لإنتاج قنبلة ذرية. وتابع «سنبحث في النهج الذي سنتبعه إذا خلصنا إلى أن إيران غير مهتمة بالعودة للاتفاق، أو كان لديها تصور عن عودة بشروط لن تقبل بها واشنطن». وألمح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إلى أن طهران تريد مهلة 3 أشهر حتى تستلم الحكومة الجديدة الملفات قبل العودة إلى فيينا. وبحسب المعلومات تدور نقاشات في طهران بين أركان النظام عن الطرف الذي سيكون مسؤولاً عن التفاوض وإذا كان الملف النووي سيكون بيد وزارة الخارجية أم المجلس الأعلى للأمن القومي. لكن يتخوف مراقبون من أن تكون طهران ربطت المفاوضات في فيينا مع موعد انسحاب الأميركيين من العراق المقرر نهاية العام، رغم أن الرئيس الإيراني الجديد يصر بتوجيه من المرشد الأعلى علي خامنئي على فصل كل الملفات بعضها عن بعض.
موسكو تعرض المساعدة
في غضون ذلك، عرضت روسيا، الداعم الرئيسي لطهران بملفها النووي التحرك من أجل حلحلة الأزمة. وأكد مندوبها الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، استعداد موسكو للحوار مع واشنطن حول العودة إلى الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني. وجاء العرض الروسي للمساعدة النووية قبيل زيارة مرتقبة يقوم بها وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، إلى موسكو للقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف بهدف بحث جملة من القضايا الإقليمية في مقدمتها الملف الذري الإيراني والغارات التي تشنها إسرائيل على مواقع سورية بهدف ضرب ما تسميه «التموضع الإيراني».رئيسي وتقرير «الذرية»
وتزامنت التحركات الدبلوماسية المكثفة مع انتقاد الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران بسبب رفضها التعاون في تحقيق تجريه حول أنشطة سابقة وتعريض أعمال المراقبة المهمة فيها للخطر وهو ما يعقد جهود استئناف المحادثات بخصوص الاتفاق النووي.وذكرت الوكالة في تقريرين للدول الأعضاء، راجعتهما وكالة «رويترز»، أنه لم يتحقق تقدم في قضيتين رئيسيتين، هما تفسير آثار اليورانيوم التي عُثر عليها العام الماضي وقبله في العديد من المواقع القديمة وغير المعلنة والوصول على وجه السرعة لبعض معدات المراقبة حتى تتمكن الوكالة من مواصلة تتبع أجزاء برنامج إيران النووي.وبينما يجري التحقيق في آثار اليورانيوم منذ أكثر من عام، يقول دبلوماسيون، إن الوكالة الدولية في حاجة ماسة للوصول إلى المعدات اللازمة لاستبدال بطاقات الذاكرة حتى لا تصبح هناك ثغرات في مراقبتها لأنشطة مثل إنتاج أجزاء أجهزة الطرد المركزي وهي آلات تتولى تخصيب اليورانيوم. وبدون تلك المراقبة وما يسمى استمرارية المعرفة، يمكن لإيران أن تنتج وتخفي كميات غير معلومة من هذه المعدات، التي يمكن استخدامها لصنع أسلحة أو وقود لمحطات الطاقة.وجاء في أحد التقريرين: «ثقة الوكالة في قدرتها على الحفاظ على استمرارية المعرفة تتراجع بمرور الوقت، وقد تراجعت الآن تراجعاً كبيراً»، موضحاً أنه بينما تحتاج الوكالة للوصول إلى المعدات كل ثلاثة أشهر فإنها لم تصل لها منذ 25 مايو.في موازاة ذلك، نددت الخارجية الفرنسية بمواصلة إيران «تطوير برنامجها النووي بشكل مقلق».وفي وقت سابق، نقلت «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين مطلعين أن «إيران رفضت طلباً من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، للتفاوض والسماح لمفتشي الوكالة بالوصول لمنشآت ذرية».وأمام تزايد الضغوط الغربية على طهران، هاجم الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي الوكالة الدولية وقال، إن مواقفها «غير بناءة وتضر بالمحادثات النووية».وقال رئيسي خلال مكالمة مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، إن «التعاون الجديّ من جانب الجمهورية الإسلامية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو نموذج واضح على إرادة إيران إبداء شفافية في أنشطتها النووية».وأتى ذلك، بعد أن توصلت السلطات الإيرانية إلى اتفاق مؤقت مع الوكالة التزمت بموجبه الحفاظ على التسجيلات التي مصدرها هذه المعدات بهدف تسليمها في نهاية المطاف للوكالة.لكنّ الاتفاق المذكور انتهى في 24 يونيو الماضي، إذ حال البرلمان الخاضع لسيطرة التيار المتشدد دون إمكانية تمديده من قبل حكومة الرئيس السابق حسن روحاني.طنب الكبرى
إلى ذلك، وبينما كان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن يزور الكويت في إطار جولة شملت حتى الآن البحرين وقطر وسيختتمها في السعودية، تفقد قائد القوة البحرية في «الحرس الثوري» الإيراني، علي رضا تنكسيري، القوات الإيرانية في جزيرة طنب الكبرى، التي تعتبر إحدى الجزر الثلاث المتنازع عليها مع الإمارات.وقال تنكسيري خلال جولته: «كما أعلنا مراراً وتكراراً، فإن الحفاظ على أمن مياه الخليج ليس بحاجة لحضور أي قوة أجنبية، ودول المنطقة باستطاعتها أن تدافع عن مصالحها وثرواتها في هذه المنطقة».«الدائرة الثالثة» تتوعد «حزب الله» بضربة قاتلة
توعد تال كالمان، قائد جبهة إيران المعروفة باسم «الدائرة الثالثة»، وهي الجناح الجديد في استراتيجية الجيش الإسرائيلي، «حزب الله» اللبناني بتلقي «ضربة قاتلة» على خلفية تكريسه لـ«مشروع الصواريخ الدقيقة». وقال كالمان، في تصريحات صحافية: «هذه ليست مجرد صواريخ باليستية، بل صواريخ كروز وطائرات بدون طيار، تنتجها الصناعة العسكرية الإيرانية بأعداد تصل إلى الآلاف، وتوزعها في المنطقة».وأضاف:»يمكنني القول إن هذا المشروع الصاروخي تهديد استراتيجي خطير، والتقدم المستمر فيه يفاقم المعضلة الإسرائيلية، وقد يصل إلى نقطة تقرر فيها أنه لا يمكنها التعايش مع هذا التهديد، بمعنى اندلاع الحرب مع لبنان»، مؤكداً أن «الجيش الإسرائيلي مستعد لها، ونحن نبني الخطط، لكنها لن تكون مثل حرب 2006».وأوضح: «صحيح أن إسرائيل ستتلقى ضربات بالصواريخ، غير أن حزب الله سيتلقى ضربة قاتلة ثمناً لقراراته، وستدفع الدولة اللبنانية ثمناً سيؤثر عليها في عقود مقبلة».ولفت إلى أنه «بعيداً عن الخوض في تفاصيل مدى اقترابنا من مثل هذا القرار، فإننا نقوم بتقييم الوضع في الساحات الأخرى، لأن الفرضية السائدة في إسرائيل أنه إذا خاضت حرباً مع لبنان، فلن يكون القتال فقط من هناك، وقد يكون من سورية، وربما من إيران وغزة». ورأى أن طهران، لم تعد وحدها، مشيراً إلى أنها استعدت واتخذت إجراءات ميدانية لـ«دفع ثمن باهظ لتحقيق رؤيتها، التي تشمل سورية والعراق واليمن ولبنان وكذلك غزة، والتي تمتد إلى 30 و40 عاماً قادمة».