بعد إعلان تشكيلتها الحكومية المؤقتة التي قوبلت ببرود دولي، وجدت حركة «طالبان» الأفغانية نفسها أمام تحديين: داخلياً حيث عليها إقناع الأفغان الذين يتظاهرون في المدن الكبرى بنواياها الحسنة، وخارجياً، حيث عليها اقناع العالم بأنها ستفي بكل الوعود التي أطلقتها.
احتجاجات وقمع
داخلياً، تحدى الأفغان محاولات الحركة ترهيب المعارضين. وخرجت تظاهرات احتجاجية أمس، لليوم الثالث على التوالي. وفي وقت مبكر من صباح أمس، انطلقت مجموعة من النساء من منطقة تقطنها أغلبية شيعية من إثنية الهزارة غرب كابول للاحتجاج على الحكومة الجديدة وعدم تمثيل النساء فيها. وردّدت متظاهرات شعارات مندّدة، فيما رفعت أخريات لافتات كتبن عليها «عمل ... تعليم ... حرية».وفرّق عناصر «طالبان» التظاهرة بشكل وحشي، مستخدمين الأسلاك والسياط والعصي.وذكرت وسائل إعلام محلية أن الأمر نفسه حدث في فايز آباد (شمال شرق).كما نظمت نساء مسيرة للاحتجاج على مقتل ضابطة شرطة حامل في منطقة داشت بارشي بمحافظة غور، التي تسكنها غالبية من الهزارة، قبل أيام قليلة.وللمرة الأولى أمس الأول، اتخذت الاحتجاجات منعطفاً دامياً في مدينة هرات غرب البلاد، حيث قتل 3 أشخاص وأصيب 8 بأعيرة نارية خلال مسيرة مناهضة للحركة.وشهدت كابول وهرات ومزار الشريف بالشمال في الأيام الأخيرة تظاهرات عدة ندّدت خصوصاً بقمع نظام «طالبان» في ولاية بنجشير وتدخل باكستان القريبة من الحركة في الشؤون الأفغانية.وبرر الناطق باسم المكتب السياسي لـ«طالبان» سهيل شاهين، أمس، قمع الاحتجاجات بأن «المتظاهرين يستخدمون لغة مسيئة ضد قادة الحركة للاستفزاز والتسبب في إشعال الصراعات».ضغوط دولية
خارجياً، توالت ردود الفعل العالمية على حكومة اللون الواحد «الطالبانية». وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس: «نشعر بقلق من انتماءات وسجلات بعض أفراد الحكومة الجديدة، ونحن نقيّم الحكومة المكونة من أفراد ينتمون للحركة ومقربين منها وتخلو من نساء».وشدد على أن واشنطن ستحكم على الحكومة الجديدة «من خلال الأفعال لا الأقوال».وقبل ذلك بساعات، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، إن واشنطن «ليست في عجلة» للاعتراف بالحكومة الجديدة، معتبرة أن «الأمر سيعتمد على الخطوات التي تتخذها طالبان».وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، إنه متأكد أن بكين وموسكو وإسلام آباد وطهران ستحاول التوصل إلى تفاهم مع «طالبان». ووصف الصين بأنها تواجه مشكلة حقيقية مع الحركة.وفي حين أعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن أسفها من أن «الأفعال غير متطابقة مع الأقوال»، وأنه «لم تتم تلبية متطلبات المجتمع الدولي»، قال ناطق الاتحاد الأوروبي: «بعد تحليل أولي للأسماء المعلنة، لا يبدو أن التشكيلة الحكومية جامعة وذات صفة تمثيلية للتنوع الإثني والديني الغني في أفغانستان الذي كنا نأمل بأن نشهده ووعدت به طالبان خلال الأسابيع الأخيرة».وفي برلين، قال وزير الخارجية الألماني هايو ماس، إن تشكيل «طالبان» حكومة تصريف أعمال من دون مشاركة المجموعات الأخرى واستخدام العنف ضد الصحافيين في كابول كلها إشارات «لا تبعث على التفاؤل».أما موسكو، فأشارت إلى أنها ستستمر في اتصالاتها مع النظام في كابول عبر سفارتها فقط، وأوضحت أنها كمعظم الدول، ستراقب بتمعّن الخطوات التي ستتخذها الحكومة الجديدة، لكنها ستشارك في حفل تنصيب الحكومة.من جانبها، اعتبرت قطر أنّ طالبان أظهرت «براغماتية» ينبغي البناء عليها من دون أن تذهب إلى حدّ الاعتراف الرسمي بالحكومة.في المقابل، أعربت الخارجية الأوزبكية عن ترحيبها بتشكيل حكومة مؤقتة في أفغانستان، وأبدت استعدادها للتعاون معها. بدورها، رحبت الصين المجاورة لأفغانستان بتشكيل الحكومة في كابول، واعتبر المتحدث باسم الخارجية وانغ وين بين، بأن «بكين مستعدّة لمواصلة الاتصالات مع الحكومة الجديدة».بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، للرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، في اتصال هاتفي: «إن البلد الجار لن يصل إلى بر تحقيق السلام ما لم تتشكل حكومة تقوم على الحوار بين جميع الفئات وصولا إلى تشكل حكومة شاملة تعكس التركيبة العرقية والديموغرافية».تزايد التوتر في إيران
أما في إيران فقد زادت حدة التلميحات التي تتحدث عن تدخل خارجي في إشارة محتملة إلى باكستان. ولليوم الثاني على التوالي، استمرت، أمس، الوقفات الاحتجاجية للاجئين أفغان في طهران ومدينة مش، ضد «طالبان» و»التدخل الباكستاني» في الشأن الأفغاني.ووردت أنباء حول حضور أمني كثيف في الشوارع المحيطة بالسفارة الباكستانية بطهران.تناغم هندي روسي
وبعد اجتماع بين سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف ومستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال في نيودلهي، أمس، أعرب الجانبان عن قلقهما الشديد من تطور الأحداث في أفغانستان وعن اعتقادهما بأن جماعات متشددة أجنبية تعمل من أفغانستان تشكل خطراً على آسيا الوسطى وعلى الهند، واتفقا على تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب. ويعتقد خبراء أن الهند كانت المتضرر الأكبر من الانسحاب الأميركي من أفغانستان لأنها استثمرت سياسياً واقتصادياً مع السلطات الأفغانية السابقة، على عكس غريمتها باكستان التي أبقت على صلات مع «طالبان».اجتماع دول الجوار
في اجتماع افتراضي للدول التي لديها حدود مشتركة مع أفغانستان، استضافته إسلام آباد، وشارك فيه وزراء خارجية كل من باكستان والصين وإيران وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، لبحث ما إذا كان سيتم الاعتراف بحكومة «طالبان»، دعا وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي المجتمع الدولي، أمس، إلى الانخراط مع الأفغان لمنع حدوث أزمة إنسانية، مشيراً إلى أن «البقاء على الوجود الدبلوماسي والدولي في أفغانستان سيطمئن الشعب الأفغاني».مكافأة واشنطن
وتأتي هذه التطورات بعد يوم من إعلان الحركة تشكيل حكومة تصريف أعمال يترأسها الملا محمد حسن أخوند، المستشار السياسي السابق لمؤسس الحركة الملا محمد عمر الذي توفي في 2013، ومكونة في معظمها من قيادات الحركة وينتمون إلى إثنية البشتون.وتضم هذه الحكومة 14 من الذين كان لهم تأثير كبير في نظام «طالبان» خلال التسعينيات وهم مدرجون على لوائح عقوبات الأمم المتحدة، و5 من معتقلي سجن غوانتنامو، إضافة إلى 12 شخصية جديدة من الجيل الثاني في الحركة.واختصر خبير العلاقات الدولية عماد الحمروني الوضع بعبارة واحدة قائلاً إن «طالبان اختارت حكومة صقور لتوحيد صفوفها أكثر منه لتوحيد للشعب الأفغاني».وفي أول تعليق له منذ سيطرة الحركة على البلاد، تعهد الزعيم الروحي لـ«طالبان» هبة الله أخوندزادة، بأنه «سيكون لجميع الأفغان، من دون تمييز أو استثناء، الحق في العيش بكرامة وسلام في بلدهم»، وتعهّد «بحماية حقوق الإنسان والأقليات وكذلك الفئات المحرومة».ودعا أخوندزادة الذي لم يظهر من قبل علناً، الحكومة الجديدة إلى «تطبيق الشريعة الإسلامية والقيام بكل ما يمكن للقضاء على الفقر والبطالة».وفي ما بدا أنه أول تحد أمام الحكومة الجديدة، رفع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI المكافأة المخصصة لكل من يقدم معلومات تساعد في القبض على وزير الداخلية الأفغاني الجديد سراج الدين حقاني، قائد «شبكة حقاني» التي تصنفها الولايات المتحدة إرهابية، من 5 إلى 10 ملايين دولار.