الانفراجة السياسية... ومقدماتها
لا يختلف اثنان على أن الكويت كبلد بحاجة ملحة لانفراجة سياسية، انفراجة تُعيد البهجة للجميع يتم بها صيانة الثوابت واحترام الدستور، انفراجة تُطوى معها ملفات الملاحقات والمضايقات السياسية، انفراجة تحقق مصالحة وطنية شاملة، عنوانها الأهم الإصلاح، واقتلاع الفساد، وإعادة الاعتبار للحريات والمؤسسات. هذه هي الانفراجة التي يتطلع إليها الناس ويتوق لها الوطن.والحديث عن انفراجة سياسية يحتم أن تكون هناك مقدمات طبيعية ومنطقية وإجراءات عملية تضع مثل هذه الانفراجة في مسارها الصحيح، فليس مقبولاً الحديث عن "انفراجة" والتوجهات مناقضة أو سلبية!ولعل أهم المقدمات المهمة للتمهيد للانفراجة إعلان توجه حكومي واضح ومحدد بإلغاء كل القوانين والتشريعات المقيدة للحريات؛ لتهيئة الأجواء، وإتاحة المجال لحرية الكلمة ونشرها، ومن ذلك وقف التشدد المؤسف على النشر سواء الصحافي أو الإلكتروني، لوقف كم الإحالات إلى النيابة لمجرد النقد وإبداء الرأي.
ومن ذلك تنظيف كشوف الناخبين وتنقيتها من العبث، الذي تعرضت له على مدى ما يزيد على عشرين عاماً بنقل ناخبين، وتسجيل وهمي، وعناوين مصطنعة، وتكدس ناخبين، وعلل لها أول وليس لها آخر، حتى صارت أي انتخابات تتحكم فيها كل المؤثرات والعوامل المريضة، ولا تعبر عن إرادة الناس الحقيقية والحرة، وهو ما يحتم على الحكومة إعادة مشروعها لاعتماد البطاقة المدنية أساساً لسجل الناخبين، ولإتاحة رقابة فعالة وحقيقية على تنقيتها وليس وضع المعوقات لمنع ذلك.ومن ذلك أيضاً تقديم الحكومة لمشروع قانون انتخاب وطني يعيد الديموقراطية لمسارها الطبيعي بعيداً عن التحكم والتقسيم الفئوي أو القبلي أو الطائفي أو المناطقي، والتحول لتقسيم الدوائر غير الجغرافي بتبني أحدث الاتجاهات الحديثة القائم على أساس يوم الميلاد؛ ليصبح الخطاب الانتخابي وطنياً، ولإنهاء ظواهر نقل الأصوات وشرائها، والتشرذم المناطقي، وتحول النائب إلى مندوب للخدمات، والانتخابات الفرعية والطرح الانقسامي والفئوي وغيرها من الظواهر المزمنة، ليصبح لدى الجميع مشروع لأجل الوطن. ومن ذلك منع استخدام "الشيخة" أو "النفوذ" أو الواسطة أساساً لتولي المسؤولية، أو للحظوة بوضع يفضل الآخرين، رغم عدم أهلية واستحقاق مَنْ يقحم تلك الاعتبارات على حساب الكفاءة والمنافسة والعدالة. وعدم إسناد المناصب لأبناء الأسرة الحاكمة فقط بصفتهم تلك!وإلى جوار ذلك إصدار قرارات ومراسيم لتصحيح مسارات تشريعية وتنفيذية!حينئذ سيكون للانفراجة السياسية موقع ومعنى، والبداية تكون بإعادة الاعتبار للمؤسسات والثوابت الدستورية التي قوضت أو عطلت أو شوهت، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بعيدة عن المحاصصة والترضيات وبلا هيمنة من الأسرة، لضمان حيادها ومرجعيتها والنأي بها عن التجريح السياسي، وإمضاء إرادة الأغلبية البرلمانية والنزول عند رأيها، والقبول بتداول المناصب السياسية وعدم اغتصابها أو احتكارها أو خضوعها للبيع والشراء بالمال السياسي القذر!العفو عن السجناء ومحكومي الرأي والسياسيين، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وعلى رأسها قانون المسيء والجرائم الإلكترونية والنشر، وملاحقة الفاسدين ومحاكمتهم واسترداد الأموال المسروقة أو المنهوبة أو المأخوذة منهم بشكل غير مشروع إدارياً وتنفيذياً وتشريعياً وسياسياً، ومنع تعارض المصالح، بصورة مشددة ودقيقة، وفي مقدمتها وعلى رأسها منع تداخل الحكم والتجارة بكل صورها ممن هم بالسلطة التنفيذية أو التشريعية أو غيرها من المناصب العامة ومواقع النفوذ!حينئذ نكون أمام "انفراجة سياسية" وإعادة الكويت لسابق عهدها بالزمن الجميل.