في مفاجأة كبيرة أنهت 10 أعوام قضاها في رئاسة الحكومة، مُنيَ حزب العدالة والتنمية الإسلامي بهزيمة قاسية في الانتخابات البرلمانية المغربية لمصلحة حزب التجمّع الليبرالي، برئاسة رجل الأعمال عزيز أخنوش، الذي يوصف بـ «المقرّب من القصر».وتراجع تمثيل «العدالة والتنمية»، الإسلامي المعتدل الذي وصل إلى رئاسة الحكومة في سياق «الربيع العربي» عام 2011، من 125 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته إلى 12 مقعداً فقط، محتلًا بذلك المرتبة الثامنة والأخيرة، في البرلمان المقبل.
وجاءت هزيمة الإسلاميين بالمغرب في إطار انحسار إقليمي لدور الإسلاميين الذين وصلوا الى الحكم خلال أحداث الربيع العربي.ففي تونس تلقّى حزب النهضة الإسلامي ضربة من خلال الإجراءات التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد وحازت تأييدا شعبيا، ولم يتمكن إسلاميو الجزائر من تحقيق مكاسب كبيرة في الانتخابات التشريعية والرئاسية التي قاطعها بعضهم، وفي ليبيا انحسر دور الإسلاميين لمصلحة تسويات إقليميات معقّدة ومتعددة الأطراف يتطلب تحقيقها شخصيات مرنة. وفي المغرب، رغم أن البعض تنبأ بإمكانية خسارة «العدالة والتنمية» في ظل خوضه الانتخابات بنظام جديد يطبّق لأول مرة، فإن حجم الهزيمة لم يكن متوقعاً. وأظهرت نتائج الانتخابات التي أجريت أمس الأول خسارة رئيس الوزراء والأمين العام لـ «العدالة والتنمية» سعد الدين العثماني لمقعده في البرلمان، بعد فرز الأصوات بالعاصمة الرباط.وحسبما أعلن والي الرباط، فإن الأمين العام للحزب الحاكم، لم يفز في الانتخابات التي ترشح فيها عن دائرة «محيط الرباط»، كما لم يتمكن الحزب من الفوز بأي مقعد برلماني عن العاصمة.
أزمة وانطفاء
ووسط ترقّب لتفجّر أزمة شديدة داخل أروقة الحركة الإسلامية التي اشتكت من تجاوزات تضمنت «دفع أموال بهدف شراء أصوات انتخابية» قبيل إغلاق صناديق الاقتراع، دعا الأمين العام السابق لـ «العدالة والتنمية»، عبدالإله بنكيران، الأمين الحالي للحزب، إلى الاستقالة، بسبب «النتائج الكارثية». وقال بنكيران، الذي لم يخُض الانتخابات، عبر «فيسبوك»: «بصفتي عضواً في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وانطلاقاً من وضعي الاعتباري، كأمين عام سابق للحزب نفسه، وبعد اطلاعي على الهزيمة المؤلمة التي مُنيَ بها حزبنا في الانتخابات المتعلقة بمجلس النواب، أرى أنه لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة، إلا أن يتحمل الأمين العام للحزب مسؤوليته، ويقدّم استقالته».وأضاف القيادي الذي يوصف بأنه «ماكينة انتخابية» ويحظى بشعبية كبيرة داخل الحركة المحسوبة على «تيار الإخوان»، أن «نائب الأمين العام، سيكون ملتزماً بتحمّل هذه الاستقالة، إلى أن يعقد المؤتمر في أقرب الآجال الممكنة، في أفق مواصلة الحزب تحمّل مسؤوليته في خدمة الوطن من موقعه الجديد».وفي أول مؤشر على تسبب ما وصف بـ «العقاب الانتخابي» في تصدعات داخل الحزب، أعلن الوزير السابق القيادي البارز بـ «العدالة والتنمية»، لحسن الداودي، استقالته من الأمانة العامة للحركة الإسلامية، في إطار ما أسماه «ربط المسؤولية بالمحاسبة». وأرجع الداودي الهزيمة المدوية لأسباب عديدة، لكنه لم يحددها، وقال إن المعطيات غير كافية.وأكملت الهزيمة التشريعية التي تأتي بعد حصيلة مخيبة لـ «العدالة والتنمية» قبل أشهر قليلة في الانتخابات المهنية، انطفاء وهج الحزب الإسلامي الذي ظلّ يحقق نتائج تصاعدية، منذ مشاركته في أول انتخابات برلمانية عام 1997، إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة في أعقاب احتجاجات حركة 20 فبراير 2011 المطالبة بـ «إسقاط الفساد والاستبداد»، لكن من دون السيطرة على الوزارات الأساسية.ويمنح الدستور، الذي أقرّ في سياق تلك الاحتجاجات، صلاحيات واسعة للحكومة والبرلمان، لكنّ الملك يحتفظ بمركزية القرار في القضايا الاستراتيجية والمشاريع الكبرى التي لا تتغير بالضرورة بتغيّر الحكومات.تصدّر ومشاركة
في المقابل، تصدّر «التجمّع»، الذي لعب أدواراً أساسية في الحكومة المنتهية ولايتها، نتائج الانتخابات بحصوله على 97 مقعداً من أصل 395، بعد فرز 96 بالمئة من الأصوات.ويرتقب أن يعيّن الملك محمد السادس خلال الأيام المقبلة رئيس وزراء من «التجمع» يُكلّف تشكيل فريق حكومي جديد لخمسة أعوام، خلفاً للعثماني.وبرز اسم زعيم «التجمع» عزيز أخنوش، الذي تولي حقيبة الزراعة منذ 2017، وسبق أن دخل في أزمة سياسية حادة أسفرت عن إقالة الملك لبنكيران وتعيين العثماني، لقيادة الائتلاف الحاكم المقبل. من جانب آخر، وبعد فشله في هزيمة الإسلاميين قبل 5 أعوام، حافظ حزب «الأصالة والمعاصرة» على المرتبة الثانية بـ82 مقعداً. وكان المنافس الرئيسي لـ «العدالة والتنمية» منذ أن أسّسه مستشار الملك محمد السادس، فؤاد عالي الهمّة، عام 2008، قبل أن يغادره عام 2011.أما حزب الاستقلال، (يمين وسط)، فقد حلّ في المرتبة الثالثة بنيله 78 مقعداً، وكان كلا الحزبين ضمن المعارضة خلال الولاية البرلمانية المنتهية.وأفاد وزير الداخلية، عبدالوافي لفتيت، بأن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 50.35 بالمئة، بزيادة تفوق الانتخابات التي أجريت عام 2016، والتي تم تسجيل نسبة مشاركة فيها بلغت 43 بالمئة، علماً بأنها المرة الأولى في تاريخ المملكة التي تجرى فيها في اليوم نفسه انتخابات برلمانية (395 مقعدا) ومحلية وجهوية (أكثر من 31 ألفاً). وأكّد أن «عملية التصويت مرت بظروف عادية، باستثناء بعض الأحداث المعزولة التي لم تؤثر على سيرها»، مشدداً على «الاحترام التام لسرية الاقتراع ونزاهة عمليات الفرز والإحصاء بحضور ممثلي لوائح الترشح».وشارك في الانتخابات نحو 7 ملايين و800 ألف ناخب، بزيادة أكثر من مليوني ناخب مقارنة بانتخابات 2016.وتنافس حوالى 30 حزبا على نيل أصوات نحو 18 مليون مغربي مسجّلين في القوائم الانتخابية، علماً بأنّ عدد البالغين سن التصويت يقارب 25 مليونا من أصل 36 مليوناً هو إجمالي عدد سكان المملكة.وأظهرت مجريات الحملة الانتخابية غياب استقطاب واضح حول الخيارات السياسية والبرامج، في وقت ينتظر فيه أن يتبنّى جلّ الأحزاب السياسية ميثاقاً من أجل «نموذج تنموي جديد» يدشّن «مرحلة جديدة من المشاريع والإصلاحات» في أفق عام 2035، وفق ما أكد الملك محمد السادس في خطاب أخيراً.