هل تستعمل موسكو أنظمة «S-400» ضد تركيا؟
يظن المحللون أن إردوغان أصبح عالقاً بين خيارَين شائكَين في علاقته مع روسيا اليوم، وتبيّن أن رؤيته المرتبطة بإقامة روابط استراتيجية مع موسكو لاستبدال علاقات أنقرة المتدهورة مع الغرب هي مجرّد وهم.
يعجز بعض المحللين حتى الآن عن فهم المنطق العسكري الكامن وراء إقدام تركيا على شراء أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ البالستية "S-400" من روسيا في عام 2017، ولا يزال هذا الموضوع من أبرز النقاط الخلافية في علاقة تركيا المتوترة مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.هذه العملية حرمت أنقرة أيضاً من أداة استراتيجية مثل الطائرات المقاتلة والمتطورة "F35" مع أنها كانت تطمح إلى تعزيز قوتها الجوية بفضلها، وأخرجت الولايات المتحدة تركيا من ذلك البرنامج بعد شرائها نظام "S-400" بمليارات الدولارات.لم يتضح بعد مكان وزمان استعمال الأنظمة الروسية أو السيناريو المحتمل لطريقة استخدامها في نهاية المطاف، لكن يبدو أن السيناريو الذي يخشاه الكثيرون قد يتحقق على أرض الواقع الآن، حيث تتعدد المؤشرات التي تنذر باحتمال أن تستخدم موسكو أنظمة "S-400" للضغط على تركيا في حين تحاول أنقرة تحسين علاقاتها مع الغرب.
أعلن ألكسندر ميخيف، رئيس وكالة تصدير الأسلحة الروسية "روسوبورون إكسبورت"، الأسبوع الماضي أن الدفعة الثانية من أنظمة "S-400" ستتجه قريباً إلى تركيا، وقد أحدث تصريحه ضجة كبرى في أنقرة.ورداً على أسئلة الصحافيين خلال "منتدى الجيش 2021" في موسكو، قال ميخيف إن اللمسات الأخيرة بدأت توضع على الاتفاق المرتبط بعملية البيع هذه، وأضاف أن الصفقة ستنتهي بعد وقتٍ قصير: "نحن نعمل على إنهائها، ونعني بالوقت القصير إتمام الاتفاق خلال هذه السنة طبعاً".استاء الأتراك من توقيت هذا التصريح، وقد اتضح ذلك في رد أنقرة البارد على ميخيف، كذلك، أنكرت مصادر مقرّبة من أوساط الدفاع التركية الادعاء القائل إن هذه الصفقة ستنتهي خلال الأشهر المقبلة، وصرّح مصدر دفاعي لقناة "بي بي سي" في تركيا: "يمكن مناقشة هذا الموضوع في أي لحظة، لكننا لا نحمل طلباً مماثلاً في هذه المرحلة".وفق المصدر نفسه، تتعلق أهم مسألة اليوم بأفغانستان والحوار الوثيق بين أنقرة وواشنطن بشأن هذا الملف: "يعبّر الجانب الروسي عن نواياه بكل بساطة أو يحاول التلاعب بالتعاون الذي بدأناه مع الولايات المتحدة".كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حذراً في موقفه أيضاً، فتطرّق إلى هذا الموضوع بأسلوب عام رداً على أسئلة الصحافيين خلال رحلة العودة إلى تركيا من البوسنة والهرسك ومونتينيغرو، فقال: "نحن لا نتردد في تلقي الدفعة الثانية من أنظمة "S-400" من روسيا أو في التطرق إلى مواضيع مماثلة. لقد اتخذنا خطوات عدة مع روسيا في ما يخص صفقة "S-400" أو شؤون دفاعية أخرى"، لكن إردوغان امتنع في المقابل عن التكلم في التفاصيل ولم يذكر شيئاً عن اقتراب موعد صفقة تسليم معدات إضافية من أنظمة "S-400" بحلول نهاية هذه السنة.في هذا السياق، يقول إيلتر توران من جامعة "بيلجي" في اسطنبول: "في هذه المرحلة، لن تخسر روسيا شيئاً من صفقة "S-400". لقد تمت عملية البيع وتلقى الروس أموالهم"، حيث صرّح توران لموقع "المونيتور" بأن موسكو مسرورة من النتائج السياسية التي حققتها تلك الصفقة: "بغض النظر عن إقدام أنقرة على تشغيل تلك الأنظمة، أدى شراؤها إلى التشكيك بالتزام تركيا تجاه الناتو وزرع بذور الخلاف داخل الحلف".يظن المحللون أن إردوغان أصبح عالقاً بين خيارَين شائكَين في علاقته مع روسيا اليوم، وتبيّن أن رؤيته المرتبطة بإقامة روابط استراتيجية مع موسكو لاستبدال علاقات أنقرة المتدهورة مع الغرب هي مجرّد وهم، فقد اكتشفت أنقرة خلال السنوات الثلاث الماضية أن الخلافات بين موسكو وروسيا حول مسائل مثل سورية وليبيا والقوقاز وأوكرانيا ليست مستعصية فحسب، بل إنها أسباب وجيهة لزيادة التوتر بين البلدين ما لم يتم التعامل مع هذه المسائل بحذر.في هذه الفترة أيضاً، اضطر إردوغان لتقييم مدى اتكال أنقرة على الغرب بطريقة واقعية لأسباب عدة، أبرزها تدهور الاقتصاد التركي.على صعيد آخر، أدت صفقة "S-400" إلى فرض عقوبات أميركية على تركيا بموجب "قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات"، كذلك، أكد لقاء إردوغان مع الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش قمة الناتو الأخيرة في بروكسل ضرورة تحسين علاقات تركيا مع الولايات المتحدة.لقد تدهورت هذه العلاقات بكل وضوح في السنوات الأخيرة بسبب ملفات عدة، ويُعتبر شراء أنظمة "S-400" جزءاً بسيطاً منها.برأي دبلوماسيين مخضرمين، يدخل عرض إردوغان للرئيس الأميركي بمساعدة واشنطن على إنقاذ نفسها من أزمة أفغانستان في الخانة نفسها، لكن رداً على دعوات واشنطن المتكررة، لا سيما الكونغرس، لتغيير موقف تركيا من صفقة أنظمة "S-400"، أكد إردوغان قبيل ذلك اللقاء مع بايدن ثبات موقف تركيا في هذا الملف. لقد أصبح موقف إردوغان السياسي ضعيفاً محلياً بسبب قلة كفاءة إدارته على مستويات عدة، مما يعني أنه يعجز عن التراجع عن موقفه في هذا الملف المثير للجدل، فهو يعرف أن أي تراجع من هذا النوع سيؤجج مزاعم المعارضة التي تعتبر خيارات سياسته الخارجية كارثية بالنسبة إلى تركيا.يظن الكثيرون أن إردوغان أصبح عالقاً في فخ من صنع يديه بسبب أزمة أنظمة "S-400" لأنه أعطى روسيا ورقة ضغط تستطيع استعمالها لمحاولة التأثير على قرارات تركيا، إذ تراقب موسكو عن قرب جهود إردوغان للتواصل مع الغرب بحثاً عن الدعم الاقتصادي والمساعدات اللازمة لمواجهة موجة اللاجئين الجديدة من أفغانستان هذه المرة.وفي إشارة إلى تعليقات الرئيس التنفيذي لوكالة "روسوبورون إكسبورت"، قال توران: "قد يكون الإدلاء بهذا التصريح في حين تحاول تركيا تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة محاولة لعرقلة تلك الجهود".أوضح الجانب الروسي عبر قنوات عدة أيضاً أنه غير مسرور من مواقف تركيا حول الصراعات الإقليمية، بدءاً من سورية وليبيا وصولاً إلى أوكرانيا والقوقاز.على صعيد آخر، أدى التدخل التركي المحوري لمساعدة أذربيجان في استرجاع ناغورنو كاراباخ من أرمينيا إلى إثارة استياء موسكو. إنها مسألة حساسة جداً بالنسبة إلى روسيا لأن تركيا تزوّد الجيش الأوكراني بطائرات بلا طيار كتلك التي تمنحها لقوات أذربيجان المسلحة.تبيّن أن الفكرة التي يطرحها إردوغان وأتباعه حول احتمال أن توثّق تركيا وروسيا علاقتهما للتصدي للغرب بطريقة مشتركة هي مجرّد مقاربة وهمية، كما أدركت أنقرة هذا الواقع وهي تواجه مشاكل جدّية على جميع المستويات، وتحاول اليوم استرجاع مكانتها ضمن التحالف الغربي.كذلك، تحرص الولايات المتحدة وأوروبا على متابعة التعاون مع تركيا في مجموعة من المسائل العملية نظراً إلى حاجتهما إلى دعم تركيا، لا سيما في ملف أفغانستان الآن.تقول محللة السياسة الخارجية، بارتشين ينانش، إن إردوغان عبّر في مناسبات متكررة عن رغبة أنقرة في الانضمام إلى "برنامج التعاون المُنظّم الدائم" المرتبط بأمن الاتحاد الأوروبي وسياسته الدفاعية خلال محادثاته الأخيرة مع القادة الأوروبيين.وكتبت ينانش في مقالتها في صحيفة T24: "تثبت رغبة تركيا في الانضمام إلى "برنامج التعاون المنظّم الدائم" أنها لا تريد أن يخسر حلف الناتو قوته، لكنها لا ترغب في الوقت نفسه في البقاء خارج البنى الغربية الأخرى".يذكر توران من جهته أن تركيا شاركت في تدريبات حلف الناتو الأخيرة ولم تُسبب أي مشكلة للسفن التابعة له بناءً على معاهدة "مونترو"، فلم تمنع وصولها إلى البحر الأسود لتنفيذ مناورات عسكرية هناك.يضيف توران: "بدأت تركيا تتخذ الخطوات اللازمة اليوم لإعادة التوازن إلى العلاقات التي تطورها مع روسيا، ولا يزال التعاون بين تركيا وروسيا مستمراً، لكن يحاول كل طرف منهما التصدي لنفوذ الطرف الآخر، ومع ذلك لا تريد تركيا أن تغلق الباب بالكامل في وجه روسيا في ملفات مثل شراء معدات إضافية من أنظمة "S-400" لأنها ليست متأكدة بعد من مسار علاقتها مع الغرب".
● سميح إيديز – المونيتور
الكثيرون يعتقدون أن إردوغان أصبح عالقاً في فخ من صنع يديه بسبب أزمة أنظمة «إس- 400»
الولايات المتحدة وأوروبا تحرصان على متابعة التعاون مع تركيا في مجموعة من المسائل نظراً إلى حاجتهما إلى دعمها لا سيما في ملف أفغانستان
الولايات المتحدة وأوروبا تحرصان على متابعة التعاون مع تركيا في مجموعة من المسائل نظراً إلى حاجتهما إلى دعمها لا سيما في ملف أفغانستان