إسلاميو المغرب يدخلون في «تيه سياسي» قد يستمر عقوداً
أسباب محلية وإقليمية وراء سقوطهم واختبار ينتظرهم في العراق
علّقت صحيفة «نيويورك تايمز» على خسارة حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي بالمغرب، لأغلبية مقاعده في الانتخابات البرلمانية، الأسبوع الماضي، بأنها تمثل «آخر هزائم الإسلاميين في المنطقة». ويرى محللون أن هذه الخسارة أغلقت قوس الأحزاب الإسلامية، التي وصلت إلى الحكم أو الحكومة في الدول العربية قبل 10 سنوات، في خضم ما عرف بانتفاضات «الربيع العربي»، خصوصاً أنها جاءت عقب أسابيع فقط من تعثر حزب النهضة الإسلامي في تونس، مهد تلك التحركات، مما يؤرخ لنهاية حقبة استمرت عقداً كاملاً.ويتوقع مؤسس «الجبهة الوسطية» في مصر الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، صبرة القاسمي، في اتصال لـ «الجريدة»، أن يدخل تنظيم «الإخوان» والتيار الإسلامي بشكل عام، بعد خسائره في مصر والسودان والمغرب وتونس «مرحلة تيه سياسي، تستمر عقدين أو ثلاثة، مع انهيار الرصيد الشعبي للإسلاميين عموماً في الشارع العربي».
ويرى القاسمي أن «السنوات الأخيرة كوّنت وعياً عاماً عند الشعوب العربية ضد الإسلاميين عموماً، كونهم يحملون شعارات بلا أي مضمون سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، وأن غرضهم الوحيد هو السلطة، والبقاء فيها حتى لو اصطدموا مع الرغبة الشعبية بعد ذلك، لذا تنامي شعور فقدان الثقة فيهم».وفي تعليق على انتكاسات التيار الإسلامي في عدة دول عربية، يقول خبير الحركات الإسلامية مؤسس تنظيم «الجهاد» السابق، نبيل نعيم، لـ «الجريدة»: «رفع الإسلاميون شعارات كوّنت لهم صورة ما في الشارع العربي، لذا كان الناخب يأمل فيهم خيراً لحل مشاكله وأوضاعه السيئة، فجرب الإتيان بهم على أمل أن يكونوا أفضل من الأنظمة القائمة، لكن التجربة العملية في السنوات الأخيرة، التي شهدت صعودهم للسلطة في أكثر من بلد عربي، أدت لانكشافهم، ورأى فيهم المواطن العربي نموذجاً أسوأ من الأنظمة السابقة».وتابع نعيم: «الإخوان يعتبرون الدولة غنيمة، فتبدأ عملية الاستحواذ على كل مناصبها لمصلحة أعضاء التنظيم، والعمل على نهب مواردها، لا تقديم مشروعات على الأرض لمعالجة المشاكل القائمة»، معتبراً أن «سياسة الاستئثار بالمناصب وموارد الدولة عجلت فشل تجربة الإسلاميين».أما المحلل السياسي والكاتب الناصري، عبدالله السناوي، فيشير في تصريح لـ «الجريدة» إلى أنه «إلى جانب فشل العدالة والتنمية في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، على الرغم من بقائه في السلطة عشر سنوات، فإن نقطة التحول كانت التطبيع مع إسرائيل بلا شك، ما هدم الصورة المثالية للتيار الإسلامي». وفي تحليله للعوامل، التي قادت إلى هزيمة حزب «العدالة والتنمية» في المغرب، يتحدث أستاذ العلوم السياسية المغربي، محمد الزهراوي، عن اجتماع أسباب عدة بينها «السياسات والخيارات اللاشعبية، التي أنتجها الحزب الإسلامي منذ ترؤسه الحكومة، وغدت الوعود والبرامج الانتخابية وحتى الجوانب القيمية، مجرد شعارات، وبدا الحزب الإسلامي، خلال السنوات العشر الماضية، منتشياً بالصدارة، وعينه على دفة التسيير وما تتيحه من امتيازات رمزية ومادية». ويضيف الزهراوي أن «الحزب أظهر كذلك بطريقة لم تكن محسوبة، استعداده إلى أبعد الحدود لتبني التوجهات الليبرالية في شقيها الاقتصادي والرأسمالي، في وقت لم يكن أي حزب قادراً على اعتمادها أو على الأقل تبريرها والدفاع عنها، الأمر الذي أثقل كاهل الطبقة الوسطى، التي تشكل قطب الرحى في المعادلة الانتخابية، وهو ما جعلها ربما تصوت بطريقة انتقامية، أو فضل جزء منها، على الأقل، عدم التصويت».وهو يشير كذلك إلى السياقين الإقليمي والدولي، موضحاً أنه «من خلال استحضار التجارب، التي مرت بها بعض الدول التي عرفت مشاركة وصعود الإسلاميين خلال الحراك الشعبي الذي شهده العالم العربي أواخر سنة 2010، يُلاحظ أنها أفضت إلى تراجع شعبية هذه التيارات، لاسيما أن الخطاب الأخلاقي والقيمي والطوباوي، الذي كانت ترفعه، فقد بريقه، خصوصاً أن الجماهير لها انتظارات اجتماعية واقتصادية وحقوقية أبعد ما تكون عما هو أخلاقي أو هوياتي».ويرى البعض أن العراق، الذي يستعد لانتخابات بعد أسابيع، قد يكون اختباراً جديداً للتيار الإسلامي الشيعي هذه المرة. ويرى أيمن الدوسري الباحث العراقي من البصرة، أن «وصول الإسلاميين إلى السلطة شجع حواراً فكرياً واجتماعياً ناقداً وفاحصاً لتجربة التيار الديني، التي أخرجته عن كونه ممثلاً لجماعات مؤمنة كانت تتعرض للقمع منذ الستينيات، وجعلت هذا التيار يقف أمام المرآة لتظهر عيوبه المشتركة مع الأنظمة الفاسدة في الغالب، كما عكست فشل محاولات الإسلاميين تغليف عيوب التجربة بهالات القداسة».ويضيف الدوسري: «لعل نموذج العراق مرشح لحدث أعمق مما حصل في المغرب، إذ إن الاحتجاجات الشعبية الواسعة منذ خريف عام ٢٠١٩ ركزت على الاستخدام السيئ للدين في السياسة الغارقة في الفساد».