أصبح عمران خان رئيس وزراء باكستان في عام 2018، بعدما هزم الأحزاب السياسية الراسخة التي كانت تتناوب على الحُكم منذ عقود، لم تكن "حركة الإنصاف" الباكستانية التي ينتمي إليها قوية على المستوى الوطني، ومع ذلك تعهد بإطلاق "تسونامي" من التغيّرات لإنشاء "باكستان جديدة"، لكنه يجد اليوم صعوبة كبرى في تحقيق ذلك الوعد.مع بدء النصف الثاني من عهد خان الممتد على خمس سنوات، لا ينذر الوضع بأي ظروف إيجابية بسبب نقاط الضعف الراسخة في حكومته من جهة، والعوامل الخارجية التي تسيء إلى الاقتصاد من جهة أخرى، تحتفظ "حركة الإنصاف" بأغلبية المقاعد في "المجلس الوطني الباكستاني" لكنها لا تسيطر على مجلس الشيوخ، لذا يعجز خان عن تنفيذ أجندته التشريعية بالكامل، فهو يواجه معارضة مفككة وغير جديرة بالثقة، لكنّ تدهور الاقتصاد وتجدّد الاضطرابات في أفغانستان سيؤثران بقدرته على إدارة شؤون باكستان والاستعداد لأي انتخابات جديدة.
وصلت "حركة الإنصاف" إلى السلطة بفضل ائتلاف من الحلفاء المنتمين إلى مراتب مختلفة، وأقنعت وكالة الاستخبارات المشتركة القوية في الجيش بعض المسؤولين بالتخلي عن ولائهم لجماعة "الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز" وطرح أنفسهم كمرشحين مستقلين أو الانضمام إلى "حركة الإنصاف"، وكان البعض الآخر انتهازياً وراح يتنقل من حزب إلى آخر على مر مسيرته السياسية، لهذا السبب، وجدت هذه الحكومة المفككة التي تقودها "حركة الإنصاف" صعوبة في إطلاق مواقف موحدة وطرح رؤية متماسكة لتحسين نظام الحُكم، لكنها صمدت رغم كل شيء بسبب المعارضة المنقسمة بالقدر نفسه وعجزها عن توحيد صفوفها لمواجهة التحديات.ستكون علاقات البلد مع الولايات المتحدة أساسية الآن، لا سيما بعد سيطرة حركة "طالبان" على أفغانستان غداة تخبّط واشنطن في انسحابها من ذلك البلد، ويُسبّب هذا الوضع مشاكل محلية لإدارة بايدن وقد تستمر هذه الأخيرة بلوم باكستان على دعمها لـ"طالبان"، فإذا رفضت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى منح المساعدات الاقتصادية لأي حكومة تسيطر عليها "طالبان" أو الاعتراف بها دبلوماسياً، فستواجه باكستان خياراً صعباً.هل يجب أن يعترف عمران خان بحكومة "طالبان" ويجازف بالتحوّل مجدداً إلى زعيم منبوذ عالمياً؟ قد تمنحه روسيا والصين والدول العربية شكلاً من التغطية السياسية إذا اعترف بسلطة "طالبان" في كابول، لكنّ أول اختبار مرتبط بالدعم الأميركي الضمني لباكستان سيتّضح في أواخر شهر سبتمبر أو بداية أكتوبر، بعد انتهاء مراجعة صندوق النقد الدولي، وإذا وافق الصندوق على متابعة برنامجه الخاص بباكستان، يمكننا أن نفترض حينها أن الولايات المتحدة تهتم بمساعدة باكستان على خوض مفاوضات مع "طالبان" وتؤيد الانسحاب الأميركي من كابول، أو يعني ذلك أن القوى الغربية الأخرى دعمت هذا الخيار، حتى لو ترددت الولايات المتحدة بشأنه أو عارضته.في نوفمبر 2022، سيضطر خان لاختيار خَلَف لرئيسه وشريكه في إدارة باكستان، قائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا، ويبدو أنه نجح في بناء علاقة وثيقة مع أحد المرشحين لهذا المنصب، وهو الأمين العام الراهن للمخابرات الباكستانية، الملازم فايز حميد، لكن ثمة احتمال بتمديد ولاية باجوا ولو لفترة أقصر، وإذا حصل ذلك، فسيتقاعد حميد وعدد من المرشحين البارزين الآخرين قبل انتهاء ولاية باجوا الثالثة.لكن قد تُغيّر السياسة الباكستانية المتقلبة هذا المشهد، لا سيما إذا انهار الاقتصاد، كذلك سيتحكّم الجنرال باجوا بأعلى مراتب الجيش في شهر أكتوبر المقبل بعد تقاعد بعض الجنرالات، باختصار، قد تُحدد أحداث الأشهر الستة المقبلة مستقبل قيادة الجيش وفرص إعادة انتخاب عمران خان.
مقالات
الواقع يعوق رؤية عمران خان لبناء «باكستان الجديدة»
13-09-2021