ما السبيل لتجنب فشل تاريخي بعد الانسحاب من أفغانستان؟
أدى قرار الرئيس جو بايدن مغادرة أفغانستان، رغم اعتراض المؤسسة العسكرية وعلى عكس تحركات الرؤساء الثلاثة السابقين، إلى نتيجة غير مقصودة: لقد سلّم مستقبل عهده الرئاسي إلى أطراف أخرى، فبرأي معظم الأميركيين، ستتبخر الذكريات المرتبطة بالأحداث المأساوية التي شهدتها الأسابيع الأخيرة، وقد أصبحت العواقب المرتقبة لهذه القرارات على المدى الطويل بيد ثلاث مجموعات سيئة.حركة "طالبان" هي المجموعة الأولى التي ستتحكم بمصير إدارة بايدن، إذ تستطيع هذه الجماعة أن تطلق المبادرات الاستراتيجية، وقد أثبت عناصرها في الماضي أنهم متعصبون ومجانين ويميلون إلى ارتكاب الإبادات الجماعية، فإذا عادت "طالبان" إلى معاييرها السلوكية التاريخية، فمن المبرر أن تخاف الأقليات على مصيرها، بما في ذلك نساء الهزارة (جماعة عرقية ناطقة باللغة الفارسية)، والجماعات التي تحمل ميولاً جنسية لا تتماشى مع معايير "طالبان".تشمل المجموعة الثانية التي ستُحدد مصير إدارة بايدن تنظيمات إرهابية مثل "داعش"، حيث يوجد هؤلاء الإرهابيون الخطيرون في أفغانستان اليوم، مع أنهم أصروا في المرحلة الأولى على عدم طرحهم أي تهديد، وعقدت "طالبان" على الأرجح صفقة جديدة مع "داعش" وجماعات مشابهة أخرى كي لا يتدخّل أيٌّ منها في نشاطات الآخرين، ويستطيع هؤلاء الإرهابيون مجدداً أن يتسلموا زمام المبادرات الاستراتيجية، وتتوقف قرارات تصدير الإرهاب إلى أوروبا وآسيا وإفريقيا والأميركتَين عليهم وحدهم، وإذا انطلق أي هجوم إرهابي من أفغانستان وبلغ الأراضي الأميركية، فسيتحول منتقدو الانسحاب إلى معارضين صريحين للإدارة الأميركية بين ليلة وضحاها.
أما المجموعة الأخيرة، وهي تشمل على الأرجح أخطر الجهات الوحشية، فتضمّ الروس، والإيرانيين، والصينيين، والكوريين الشماليين، وينتج الانسحاب الأميركي فسحة من الفرص الاستراتيجية، وستستغل هذه الجهات الوضع حتماً لاختبار فريق بايدن، وستشهد السنوات المقبلة من عهد بايدن توسّع هذا النوع من التحركات، من البلقان إلى تايوان، وتكثر الفرص المتاحة في هذا المجال، بدءاً من الضربات الجوية بطائرات بلا طيار ضد المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وصولاً إلى التهديد باستعمال القوة النووية، ولا شك أن بوتين بدأ يخطط لهذا النوع من الألاعيب منذ الآن، مع أن فريق بايدن لم يدرك بعد أنه يحتاج إلى تصميم أفضل أنواع المناورات الحربية.قد لا يعيد التاريخ نفسه دوماً، لكن يظن البعض أن الأجواء التاريخية قد تتكرر فعلاً، ولو كان الوضع كذلك، فهل يمكن القول إننا عدنا إلى أواخر السبعينيات وبدأت التحركات التي اتخذتها إدارة كارتر تتكرر اليوم؟ أم أننا عدنا إلى منتصف الثمانينيات ونريد إعادة صياغة سياسات إدارة ريغان؟ ما الذي يُفترض أن يفعله فريق بايدن لاسترجاع زمام المبادرة التي تخلى عنها؟تقضي الخطوة الأولى بإبلاغ العالم بأننا لا نضحّي بجاهزيتنا العسكرية على المدى القريب لبناء جيش سحري وبعيد المنال بحلول عام 2030، بل يجب أن تلتزم الإدارة الأميركية بالحفاظ على جاهزيتها راهناً ومستقبلاً، ويمكن أن تبدأ هذه الجهود بدعم محاولات الكونغرس لإضافة 25 مليار دولار إلى ميزانية الدفاع في عام 2022، وتوسيع ميزانية عام 2023 بمعدل 50 مليار دولار. أما الخطوة الثانية، فتقضي بطمأنة الحلفاء وردع المعتدين المحتملين، ولتحقيق هذه الغاية، يجب أن تنتشر القوة الراهنة حول العالم، فقد بدأ الكونغرس محاولاته لتوزيع 6 مليارات دولار مخصصة لتمويل قوات الأمن الأفغانية في إطار ميزانية عام 2022، لكن يجب أن تنقل الإدارة الأميركية تلك الأموال إلى حسابات التشغيل التابعة لكل فرع، وترسل القوات الأميركية إلى جميع زوايا العالم. قد لا نملك فرصة أخرى لمنع مظاهر الانتهازية الاستراتيجية.أخيراً، يجب أن تدعم الإدارة الأميركية إفريقيا والشرق الأوسط عبر تزويدهما بقوى لمكافحة الإرهاب، ومن المتوقع أن يكرر "داعش" النشاطات التي نفّذها خلال التسعينيات ويستهدف مواقع في محيطه خلال المرحلة الأولى، وسيكون حصر "داعش" في أفغانستان عاملاً أساسياً لمنعه من الوصول إلى أوروبا والأميركتَين، وفي الوقت نفسه، يجب أن نطلق عمليات معلوماتية وحملات سيبرانية واسعة لأن "طالبان" و"داعش" يسيطران اليوم على شبكة الإنترنت في أفغانستان، وسيستغل الطرفان هذا الوضع حتماً لكسب دعم إضافي ونشر الرعب في أنحاء العالم.بعد التخلي عن زمام المبادرة الاستراتيجية تزامناً مع قرار الرحيل من أفغانستان وفشلنا في تنفيذ الانسحاب بالشكل المناسب، تستطيع إدارة بايدن أن تحاول استرجاع زمام المبادرة، إذا تحركت بسرعة كافية، قبل أن تقرر "طالبان" و"داعش" وجماعات أخرى مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائها وتدمير السنوات المتبقية من عهد بايدن.