قبل أشهر قليلة من موعد انسحاب "القوات القتالية" الأميركية من العراق وتزايد التقارير عن نية إدارة الرئيس جو بايدن الانسحاب من سورية، وفي ظل إعادة تموضع القوات الأميركية المعلن في الخليج، اعتبر مسؤول خليجي أن "الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان جعل حلفاء واشنطن العرب يتساءلون عمّا إذا كان بمقدورهم مواصلة الاعتماد على الولايات المتحدة".وأوضح المسؤول في حديث لـ "رويترز"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن "أفغانستان زلزال مدمر سيبقى معنا لفترة طويلة جداً جداً".
وتساءل: "هل يمكننا بحق الاعتماد على مظلة أمنية أميركية للسنوات العشرين المقبلة؟ أعتقد أنها مسألة شائكة للغاية في الوقت الحالي، وهي مسألة شائكة جدا حقا".وأشار إلى أن "أي صراع جيوسياسي سينشب بسبب أفغانستان سيكون بين الصين وباكستان من ناحية وروسيا وإيران والهند من ناحية أخرى وأن الولايات المتحدة لن تكون جزءا من هذا الصراع".
«البنتاغون»
في غضون ذلك، أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي، أنّ وزير الدفاع لويد أوستن الذي ألغى الأسبوع الماضي زيارة كانت مقرّرة إلى السعودية، "يأمل" لقاء ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان.وزار أوستن الخليج الأسبوع الماضي لشكر حلفاء الولايات المتّحدة على الدعم الذي قدّموه للجسر الجوي الضخم الذي أقامته واشنطن بعد السقوط المفاجئ للحكومة الأفغانية واستيلاء "طالبان" على السلطة في كابول.وشملت جولة الوزير الأميركي كلاً من قطر والبحرين والكويت، وكانت تتضمّن محطة في السعودية، لكنّ هذه الزيارة أرجئت في اللحظات الأخيرة إلى أجل غير مسمّى.وقال كيربي إن زيارة أوستن إلى السعودية "لم تحدث لأسباب تتعلق بالجدول الزمني للجانب السعودي"، مشيراً إلى أنّ الزيارة تمّ أساساً الترتيب لها على عجل.وأضاف: "كنّا نأمل خصوصاً، خلال هذه الزيارة، لقاء وليّ العهد. فهو وزير الدفاع السعودي، ونحن لدينا شراكة دفاعية قوية مع السعودية".وأضاف: "نأمل في إعادة جدولة الزيارة"، مشدّداً على أنّها "أرجئت ولم تُلغَ".ورداً على سؤال عمّا اذا كان هناك رفض سعودي لاستقبال وزير الدفاع الأميركي، أجاب كيربي: "الأسئلة بشأن عدم استقبال وزير الدفاع في السعودية توجّه إلى السعوديين".بايدن
في المقابل، يكثف الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تلقت سمعته الدولية ضربة جراء الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، لقاءاته الدبلوماسية العالية المستوى خلال الخريف المقبل، محاولا إحياء تحالفات واشنطن التقليدية في مواجهة الصين.ويلقي بايدن بداية كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 21 الجاري، والتي تعقد هذه السنة بصيغة هجينة تجمع بين الافتراضي والشخصي.وأعلن نحو 100 من قادة الدول والحكومات نيتهم المجيء إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وفق ما تظهر قائمة مؤقتة للمشاركين.وذكرت "واشنطن بوست" و"بوليتيكو" أن الرئيس الأميركي يريد أيضا خلال الجمعية العامة اقتراح عقد قمة دولية مكرسة للتلقيح ضد "كورونا".بعد ذلك، يستقبل جو بايدن في 24 الجاري بواشنطن رؤساء وزراء الهند واليابان وأستراليا، في إطار التحالف الرباعي المعروف باسم "كواد" أو "الحوار الأمني الرباعي".وستسمح هذه القمة الرباعية بين بايدن ورئيس وزراء كل من أستراليا سكوت موريسون والهند ناريندرا مودي واليابان يوشيهيدي سوغا بـ "تعزيز الروابط وتعميق التعاون" سواء على صعيد مواجهة وباء كورونا أو التغير المناخي.ويريد الشركاء الأربعة كذلك الالتزام بجعل "منطقة الهند- المحيط الهادئ مفتوحة وحرّة"، وهي عبارة دبلوماسية معتمدة للتنديد بالتطلّعات الإقليمية الصينية.وأعلنت الناطقة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، في بيان، أن القمة ستعقد في البيت الأبيض بواشنطن يوم 24 الجاري.وقالت ساكي: "استضافة قادة المجموعة توضح أن الانخراط في منطقة المحيطين الهندي والهادي أولوية لدى إدارة بايدن ونائبته كاميلا هاريس، وهو ما يشمل ترتيبات جديدة متعددة الأطراف لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين".وأضافت أن قادة المجموعة سيركزون على تعميق علاقاتنا ودفع التعاون العملي في مجالات مثل مكافحة "كورونا" والتعامل مع أزمة المناخ والشراكة في التكنولوجيات الناشئة والفضاء الشبكي، وتعزيز الحرية والانفتاح بمنطقة المحيطين الهندي والهادي".وكان منسق السياسة الأميركية الخاصة بالمحيطين الهادي والهندي كورت كامبل، أعلن في يوليو أن الاجتماع الذي سينعقد بالحضور الفعلي ويجري التخطيط له منذ فترة طويلة سيتمخض عن التزامات "حاسمة" بشأن دبلوماسية اللقاحات والبنية التحتية.زمام المبادرة
ويأمل الرئيس الأميركي على الأرجح استعادة زمام المبادرة بعد ما عانى صعوبات جمة خلال أغسطس على الصعيدين الوطني والدولي بسبب الانسحاب الفوضوي من أفغانستان.وخلفت الطريقة الأحادية التي أنهت فيها الولايات المتحدة حربا استمرت 20 عاما في أفغانستان، أثرا سلبيا لدى بعض حلفاء واشنطن.ولم تفوت بكين وموسكو الفرصة للتشكيك في متانة دعم الولايات المتحدة للدول التي تعتمد في أمنها على الأميركيين.إلا أن بايدن أكد مرارا وتكرارا أن أحد أسباب مغادرة أفغانستان يتمثل في افساح المجال لتكريس مزيد من الجهود للمواجهة الدولية الكبرى بين الأنظمة الديمقراطية وتلك المستبدة.وفيما لم يتخلّ بايدن عن النهج الصارم الذي اعتمده سلفه دونالد ترامب في مواجهة الصين، إلا أنه ينوي مقاربتها بطريقة مختلفة.فالرئيس الديمقراطي لا يريد أن يكون في مواجهة ثنائية مع الصين، بل يريد على العكس أن يركز على لعبة التحالفات. وأجرى محادثات هاتفية قبل فترة قصيرة مع نظيره الصيني شي جينبينغ للتحقق من أن قنوات التواصل لا تزال مفتوحة.ولن يتردد في استحداث فضاءات لمحادثات متعددة الأطراف.فإلى جانب لقاءات الخريف الرئيسية مثل قمة مجموعة العشرين G20 في روما في 30 و31 أكتوبر وقمة المناخ (كوب 26) في غلاسكو من الأول من نوفمبر إلى 12 منه، يريد بايدن أن ينظم مطلع ديسمبر "قمة من أجل الديمقراطية" عبر الانترنت.ويتمثل التحدي الأول في هذا اللقاء في تحديد قائمة المشاركين، فينبغي عدم إثارة امتعاض أي بلد حليف للولايات المتحدة من دون تقويض طموحات بايدن الكبيرة الذي يرى أن الولايات المتحدة ينبغي أن تقود العالم "من خلال تشكيلها قدوة له".