في إطار الذكرى العشرين لمأساة 11 سبتمبر 2001، تم عقد الكثير من الندوات والحلقات النقاشية، وصدرت الدراسات والتقارير للبحث في ما جرى، والأهم في ما يجري الآن ومستقبلاً، شاركت في 6 منها، متحدثاً في 3، وضيفاً مستمعاً في مثلها.

لاحظت أن الأفكار المطروحة بعد عشرين سنة قد اختلفت بدرجة ما عن نقاشات المناسبة نفسها قبل 10 سنوات، فالظروف غير الظروف، والانقسام الحاد داخل أميركا فرض نفسه، والانسحاب من أفغانستان يطرح الأسئلة، والحديث عن محاكمة ما جرى أكثر حدة.

Ad

كان التركيز واضحاً هذه المرة، ليس على سياق الأحداث فقط، ولكن على ما أحدثته الحرب على الإرهاب، على مصلحة أميركا، وعلى موازين القوى في العالم، وكيف أدت- ضمن قضايا أخرى- إلى إتاحة الفرصة لقوى أن تظهر وتؤثر على الساحة الدولية مثل الصين وروسيا، ويتراجع التأثير الأميركي.

في الجوانب المادية، قدمت جهتان بحثيتان تقريرين مثيرين عن التكاليف الحقيقية للحرب على الإرهاب، وهي تكاليف كان يتم تمويلها من العجز المتضخم سنة عن سنة.

كان ذلك هو النموذج الاقتصادي الذي قام به الساسة الأميركان في تمويل هذه التكاليف المفزعة.

ويقدر معهد دراسة السياسات، بتقرير عنوانه "انعدام الأمن: تكاليف العسكرة منذ 11 سبتمبر"، بأن أميركا أنفقت ما يزيد على 21 تريليون دولار على عسكرة الداخل والخارج، منها 16 تريليوناً، أي ما يعادل كل الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، ذهبت للإنفاق العسكري، ويشمل البنتاغون، ومكافآت التقاعد، والبرامج النووية والدعم العسكري الخارجي، والاستخبارات.

كما ذهبت 3 تريليونات لبرامج المحاربين، و949 ملياراً لجهاز الأمن الداخلي، و732 ملياراً لأجهزة إنفاذ القوانين الفدرالية، ويُجري التقرير مقارنة لما كانت تلك الأموال قد تم إنفاقها على التنمية الداخلية، إذ كانت 4.5 تريليونات للكهرباء، و2.3 تريليون تخلق 5 ملايين وظيفة، بواقع 15 دولاراً للساعة مع مكافآت معيشة مدة 10 سنوات قادمة، و1.7 تريليون تسدد ديون الطلبة كافة. و449 ملياراً تدعم ضريبة الأطفال لـ 10 سنوات قادمة، و200 مليار تضمن التعليم قبل الابتدائي لعشر سنوات قادمة مع رفع رواتب المدرسين، كما تكفي 25 ملياراً لتوفير لقاحات "كوفيد" لسكان الدول الفقيرة.

وينتقد التقرير بالإضافة إلى باحثين آخرين، ضياع الأولوية الأمنية، وأن الأموال المخصصة زعماً للأمن قد تم تخصيصها في المكان الخطأ.

إلا أن الخسائر المادية ليست كل الحكاية، فهناك حالة انعدام الوزن التي سادت العالم ومازالت تسوده، والتي كانت من النتائج العكسية لما سُمي الحرب الكونية على الإرهاب، وهو ما سنتطرق له لاحقاً.

أ.د. غانم النجار