راحت السكرة...
راحت السكرة وجاءت الفكرة، غير صحيح المثل السابق في دولة "يا رب لا تغير علينا"، السكرة راحت- رغم أن المسكرات هنا ممنوعة- إلا أن الفكرة لم تأتِ أبداً، فليس هناك فكر عند السلطة حتى تلد منه الفكرة.قضية الكوادر المالية وتكلفتها العالية على ميزانية العجز السرطاني أضحت مثل الموس في بلعوم الدولة. الحكومة التي تحاول وتنشر الأخبار حول ضرورة إعادة النظر في كادر رواتب النفط العالية، الذي يبلغ ستة أضعاف بقية الموظفين في دولة الموظف العام، ستجد نفسها في النهاية في سكة سد، فذلك قانوناً (مزايا الكادر) أضحت حقاً مكتسباً لأصحابه، أي دخل ذمتهم المالية، وترتبت عليه مراكز قانونية لا يمكن تغييرها.لا جدوى الآن من الشماتة في السلطة، التي قررت سياسة إقرار الكوادر في زمن مضى غابت عنها فيه رؤية المستقبل وافتراضات الأيام السوداء، فقد كانت السلطة في منح الكوادر المالية والإنفاق المالي دون حسابٍ للبعض في ذلك الوقت تشتري الولاءات، وتضمن الصمت وتخدير الوعي بالقادم في سبيل استمرار وديمومة الطاعة المطلقة لها، وحين شرعت الكادر النفطي لم تفرق بين العمال أو الفنيين الذين يستحقون مقابلاً مجزياً لطبيعة أعمالهم الخطرة والشاقة المرتبطة بإنتاج النفط، وبين العديد من العاملين الإداريين في ذلك القطاع، فكلهم سواء تحت بند "الكادر النفطي" صاحب الرواتب الخيالية.
"في الأغلب" هذا الجهاز الوظيفي المستفيد من المزايا العالية للكادر لا يختلف في طبيعة عمله عن بقية أجهزة الدولة المترهلة، الإداري أو القانوني هنا، مثلاً، هنا يجلس موظف على الطاولة بغرفة مكيفة مريحة مرتبة حسب الأصول في المؤسسات النفطية، ويقوم بتحويل أي عمل ذهني ـــــ مثل الاستشارات القانونية ـــــ لخبير من دولة أجنبية يجلس قريباً منه ويقوم بعمله تحت الغطاء، أو تحال المسائل والقضايا الشائكة لمكاتب خاصة من طبيعة "إن حبتك عيني ما ضامك الدهر" لتقوم بالعمل نيابة عنه، ويظهر الموظف النفطي أبو جلباب بصورة الشاطر الفني الذي لا يشق له غبار.لا بد في مثل تلك الأحوال من إعمال مبدأ الجدارة في استحقاق مزايا الكادر، فلا يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون، ستة آلاف وسبعة آلاف دينار كراتب لموظف يوقع ويحول المراسلات لا يستحقها لا في زمن البحبوحة الذي مضى إلى غير رجعة، أو في هذا الوقت الذي تختنق فيه الدولة مالياً... فرقوا واعدلوا... وكفاية محسوبيات وترضيات هذا ولدنا.