خاطب رئيس مجلس الوزراء، سمو الشيخ صباح الخالد، قياديي الدولة في لقاء مفتوح قائلاً: "التحدي الأكبر أمامنا الآن هو إطلاق تطبيق (سهل) الحكومي، ونحن على بُعد أيام، وأقصد بذلك أسبوعا واحدا، وسيكون هذا التطبيق تحدياً واختباراً وإنجازاً لكم كقياديين... وأنا لن أقبل بأمرين؛ أولهما أن نعود إلى الوراء بالتعاملات الورقية، والثاني أن يُطلق التطبيق دون أن يحقق الأهداف المرجوة منه".

وبغضّ النظر عن أن التطبيق لم يُطلق في الوقت الذي تعهد به رئيس الوزراء ليتم إطلاقه تجريبيا مطلع الأسبوع الجاري، ثم تشغيله أمس الأربعاء رسمياً في مرحلته الأولى - التي ستتلوها مراحل أخرى - فإنه من المؤسف حقا أن يكون إطلاق تطبيق إلكتروني هو التحدي الأكبر للحكومة، حسبما يراه رئيس مجلس الوزراء.

Ad

في الحقيقة، إذا تجاوزنا استحقاقات الإصلاح ومعالجات الاختلالات الرئيسية كأحادية مصادر الدخل أو تضخّم سوق العمل أو اختلال التركيبة السكانية التي تتطلب مدى أطول للمعالجة، فإنّ الكويت في الفترة القادمة أمام مجموعة من التحديات العاجلة والمستحقة، التي تتطلب تدخلا وحلولا على المدى القصير، وهي كلها أكثر تعقيدا وصعوبة من أيّ مشكلات تكنولوجية واجهت تطبيق "سهل".

التصنيف الائتماني

فنحن على موعد أيام أو ربما أسابيع من عودة مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية لإصدار تقاريرها بشأن الأوضاع السيادية لدولة الكويت، إذ سبق لمؤسسات التصنيف الدولية "ستاندرد آند بورز- وموديز- وفيتش" خفض تصنيفات الكويت الائتمانية خلال العامين الماضيين، مع تغيير النظرة المستقبلية من الإيجابية الى السلبية، دون أن تتخذ الحكومة أي إجراء فعلي للعمل على تلافي المزيد من الخفض مجددا.

ومهما يكن الرأي حول مدى اعتبار التصنيف الائتماني شهادة على الأوضاع الاقتصادية، فإنّ الأمر مرتبط بالضرورة بتكاليف أكبر ستتحملها الدولة إن دخلت سوق الديون السيادية، مع استمرار تراجع تصنيفاتها الائتمانية، إضافة الى تراجع تصنيفات البنوك الكويتية، مما سيحمّلها مع مساهميها تكاليف أكبر.

فوفق ردّ لوزير المالية على سؤال للنائب عبدالعزيز الصقعبي، فإنّ كلفة السندات ارتفعت على الكويت بعد التخفيضات الأخيرة للتصنيف الائتماني بين 10 و25 نقطة أساس، وهذا الأمر يقلل من جاذبية الميزة الوحيد التي تستند إليها الحكومة في مساعيها لإقرار قانون الدَّين العام، وهي انخفاض كلفة التمويل من الاقتراض.

تحديات السيولة

وتتنوع تحديات المرحلة القادمة، وهي عاجلة بطبيعتها وملحّة في أهميتها وصعبة في تنفيذها، إذا اعتبرنا أن إنجاز تطبيق إلكتروني هو التحدي الأكبر، فأمامنا مثلا تحدّي توفير السيولة على المدى القصير لسداد الالتزامات الطارئة كالرواتب ودفعات المقاولين، بعدما استنفدت الإدارة المالية للبلاد جميع الحلول السهلة والمباشرة، خصوصا بعد نفاد السيولة من الاحتياطي العام، والقيام بعمليات مبادلة الأصول والنقد ما بين الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال، ووقف استقطاع نسبة الـ 10 في المئة لمصلحة احتياطي الأجيال القادمة وإبقائها ضمن مصروفات الميزانية العامة للدولة، وهي بالمناسبة الميزانية التي مرّرتها الحكومة دون مناقشة في مجلس الأمة بإنفاق قياسي بلغ 23 مليار دينار، لتعود بعد إقرارها بأسابيع وتقرر خفض مصروفاتها بواقع 10 في المئة!

المطلاع والتعليم

وحتى في القضايا الخدمية، ثمّة تحديات لا تقل إلحاحا عن تلك المالية أو الاقتصادية، فثمة أزمة تواجه 28 ألف أسرة خُصصت لهم أراض في مدينة المطلاع، في حين أعلن بنك الائتمان أن "قدرته لا تسمح حالياً بتمويل كل القسائم الحكومية في المدينة"، وهو موضوع تفصيلي عاجل من أصل أزمة مؤجلة هي الأزمة الإسكانية.

كما أن أمام الإدارة الحكومية تحدّيا آخر يتعلّق بمدى استعداد المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات عامة، وخاصة لإعادة الافتتاح في ظل توفير المتطلبات الصحية والوقائية.

اهتمامات صغيرة

لقد اعتادت الإدارة الحكومية، خصوصا في السنوات الأخيرة، الاهتمام بالقضايا الصغيرة والاعتقاد بأن حل أزمة السيولة يتعلق فقط بتوفير الرواتب، وأن تقليص الإنفاق يمرّ ببوابة تقليص "دعم العمالة"، دون المراجعة الشاملة لأوجه الهدر السنوي المتكررة في الميزانية، وأن دعم المشاريع الصغيرة يكون بترخيص عربات وكرفانات في منطقة الصبية، مع تناسي معضلات التمويل وصعوبة الحصول على الأراضي، ناهيك بتعقيد الإجراءات والمعاملات بين الجهات المختلفة، وأن نقل الإطارات من "ارحية" إلى السالمي، مع توقّع أن تتمّ عمليات التدوير وفق الإمكانات الحالية لنحو 28 عاما، يعتبر إنجازا بيئيا واقتصاديا.

تعقيد وإهمال

لا شك في أن للتحول التكنولوجي، خصوصا في المعاملات الحكومية، من خلال تطبيق سهل، أهمية خاصة في تطوير الأداء وتيسير الأعمال، لكنّه ليس التحدي الأكبر أمام سلطة مثل حكومة الكويت؛ ثرواتها ضخمة وتحدياتها متزايدة، وتزداد تعقيدا كلما أهملنا معالجتها.

● محمد البغلي