هجوم 11 سبتمبر المقبل قد يحصل من الداخل!
في الماضي، فجّر رجلان أميركيان من أصحاب البشرة البيضاء مبنىً فدرالياً، هكذا تنبّه البلد إلى مخاطر الإرهاب المحلي الذي أجّجه متطرفون يكرهون الحكومة في أبريل 1995.ففي حين تحيي الولايات المتحدة اليوم الذكرى العشرين لهجوم 11 سبتمبر، يجب أن نواجه احتمال أن يقع هجوم مماثل من الداخل هذه المرة، ويُفترض أن نقاوم نزعتنا إلى اعتبار الهجمات الانتحارية المريعة في أفغانستان خلال شهر أغسطس الماضي (وظهور "داعش" و"القاعدة" مجدداً في ذلك البلد) مبرراً للعودة إلى استراتيجيات وتكتيكات بالية.بعد عملي في أوساط الأمن القومي داخل الحكومة الأميركية لأكثر من عشر سنوات، استنتجتُ أن "الحرب الأميركية على الإرهاب" غداة هجوم 11 سبتمبر جعلتنا غير مستعدين لمواجهة التهديد الداخلي الذي يتنامى مع مرور الأيام، ويزداد الوضع تعقيداً في البيئة المشحونة سياسياً اليوم لأن إدارة بايدن ستجد صعوبة كبرى في إعادة التركيز على التهديدات المحلية، لكن يجب أن نتجاوز هوسنا الضيق بالإرهاب الدولي ونعمل على تقليص التهديدات المتطرفة داخلياً، ويمكن تحقيق هذا الهدف عبر خمس خطوات:
1 - تمويل مكتب التحقيقات الفدرالي وتوسيع قدراته:
حتى الفترة الأخيرة، كانت معظم موارد مكتب التحقيقات الفدرالي مخصصة لتعقب الأفراد المرتبطين بجماعات مثل "القاعدة" و"داعش"، فقد بدأ هذا الوضع يتغير الآن، لكن لم تصبح موارده متماشية بعد مع توسّع مظاهر التطرف اليميني محلياً، وفي عام 2019، أدلى مايكل ماكغاريتي، الذي كان حينها مساعد مدير قسم مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفدرالي، بشهادته أمام الكونغرس وقال إن %20 من عملاء المكتب في هذا القسم كانوا يعملون على قضايا مرتبطة بالإرهاب المحلي، في حين خُصّصت النسبة المتبقية للإرهاب الدولي مع أن الإرهابيين المحليين نفذوا اعتداءات إضافية وقتلوا الأميركيين أكثر من الإرهابيين الدوليين، وسيكون تكليف عملاء إضافيين بإجراء تحقيقات حول المتطرفين المحليين خطوة مهمة إذاً لفهم التهديدات المرتقبة ومحاربتها.2 - تحديث قانون الإرهاب المحلي:
لم تتم إدانة ولو متمرد واحد من المشاركين في أحداث 6 ديسمبر بتهمة الإرهاب، وحتى المتعصب ديلان روف الذي كان يؤيد تفوّق أصحاب البشرة البيضاء وأقدم على قتل تسعة أشخاص سود في إحدى كنائس "تشارلستون" في عام 2015 لم يكن يستحق هذه التهمة برأي النيابة العامة، كذلك استُعمِلت القوانين التي تم إقرارها بعد تفجير مدينة أوكلاهوما لاستهداف الإرهاب الدولي، لا الجماعات النازية الجديدة أو التهديدات المحلية الأخرى. قد يُمهّد تشديد قانون الإرهاب في حالات كثيرة لإطالة مدة سجن المتورطين وطرح مسارات أكثر وضوحاً لملاحقة المتواطئين من دون انتهاك المخاوف الدستورية.3 - التعامل مع تحديات اليمين المتطرف كمشكلة عابرة للحدود:
بعد اعتداءات 11 سبتمبر ركّزت وكالات الاستخبارات الأميركية على جماعات مثل "القاعدة" و"داعش" وفروعها، يجب أن نتابع هذه الجهود شرط أن تتزامن مع توسيع قدرات الاستخبارات الأميركية الخارجية ضد النازيين الجدد الدوليين وحركات متطرفة أخرى تتواصل مع جماعات يمينية محلية وتشاركها الحملة الدعائية نفسها أو تُموّلها أحياناً.4 - نقل المعركة إلى منصات التواصل الاجتماعي:
يمكن اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي المكاتب الخلفية والسرية للإرهاب المعاصر كونها تشمل عمليات تتراوح بين جمع الأموال، والتخطيط للعمليات، وإطلاق الحملات الدعائية المستهدفة، حيث تحرص شركات التواصل الاجتماعي على مراقبة المنشورات، وتطبّق سياساتها الخاصة حول طرق استخدام مواقعها، وتحذف المواد التي تنتهك معاييرها، لكن لا تضاهي جهودها النشاطات المعقدة والمتقنة التي تقوم بها الجهات السيئة. تستطيع الحكومة الأميركية أن تفرض العقوبات على جماعات يمينية خارجية وتُصنّفها ككيانات إرهابية لدفع منصات التواصل الاجتماعي المحلية إلى منع تلك الأطراف من استعمال مواقعها، وتهدف هذه المقاربة إلى منع الجماعات الإرهابية الدولية من التكاثر في الولايات المتحدة.5 - تلقي المساعدة من جهات غير حكومية:
أخيراً، يجب أن تحرص الحكومة الأميركية على تشجيع وتمويل القطاع الخاص والبرامج غير الربحية التي تسهم في كبح التطرف لأن السلطات الفدرالية لا تُعتبر جهة صادقة في هذه المعركة، ويجب أن نُشرِك الجماعات غير الحكومية التي تتمتع بخبرة واسعة في إبعاد الأفراد عن التطرف وتتعاون مع القادة المحليين لتحديد الجماعات والأفراد الأكثر عرضة للخطر، ويُفترض أن تصبح هذه الجهود جزءاً من اللعبة الأميركية الطويلة التي تهدف إلى منع انهيار الحريات وحقوق الإنسان والخصوصية بحجة محاربة الإرهاب المحلي، ويُعتبر الاستعمال العدائي والشائب للسلطة الفدرالية مصدراً حقيقياً للتهديدات أيضاً.قد يبدو المتطرفون اليمينيون في الولايات المتحدة مختلفين بالكامل عن حركة "طالبان" في أفغانستان، لكن غالباً ما تكون مقاربة الطرفَين على مستوى التمويل والتجنيد وإطلاق الحملات الدعائية متشابهة، حيث يتقاسم الفريقان الرغبة نفسها في سحق النظام القائم، سواء تَمثّل بالحكومة الأميركية أو النظام العالمي ككل، فبشكل عام، بقيت التهديدات المحلية في الولايات المتحدة خارجة عن السيطرة لفترة غير قصيرة، ولكن رغم حزننا على من فقدوا حياتهم في أفغانستان خلال الشهر الماضي، يجب أن ندرك أن أخطر التهديدات تكمن في عقر دارنا.