صعّدت فرنسا لهجتها الغاضبة تجاه الولايات المتحدة وأستراليا، واستدعت سفيريها في واشنطن وكانبيرا للتشاور، في خطوة غير مسبوقة تجاه الحليفين التاريخيين، بعد 3 أيام من إعلانهما الدخول، إلى جانب بريطانيا، في تحالف أمني جديد بمنطقة المحيطين الهادئ والهندي، أطلق عليه "أوكوس" (Aukus)، واستبدالهما صفقة ضخمة، كانت تعمل عليها باريس لتزويد كانبيرا بغواصات تقليدية، بأخرى نووية أميركية وبريطانية تحت عنوان مواجهة التمدد الصيني.وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إن استدعاء السفيرين جاء "بناءً على طلب رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون".
وأضاف، الوزير المخضرم الذي كان يشغل حقيبة الدفاع، عند إبرام صفقة الغواصات، التي تصل وفق تقديرات إلى ما بين 50 و90 مليار دولار: "هذا القرار الاستثنائي تُبرّره الخطورة الاستثنائيّة لما أعلنته أستراليا والولايات المتحدة في 15 سبتمبر".وتابع لودريان: "الصفقة غير مقبولة، وإلغاء المشروع، وإعلان شراكة جديدة مع الولايات المتحدة تهدف إلى بدء دراسات حول احتمال التعاون في المستقبل بشأن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية يشكلان سلوكاً غير مقبول بين الحلفاء والشركاء".وأشار إلى أن عواقب الخطوة "تؤثر بشكل مباشر على رؤيتنا لتحالفاتنا وشراكاتنا وأهمية منطقة المحيطين الهندي والهادئ لأوروبا"، في إشارة إلى تسبب القضية بأزمة بين ضفتي حلف شمال الأطلسي "الناتو". في موازاة ذلك، لوح وزير الدولة للشؤون الأوروبية كليمان بون باحتمال تضرر مفاوضات تجارية يجريها "الاتحاد الأوروبي" مع أستراليا على خلفية "أزمة الغوصات".
«خيانة متعمدة»
ووصف سفير فرنسا لدى أستراليا، جان بيير تيبو، قرار كانبيرا إلغاء "صفقة القرن"، بأنه "خيانة متعمدة" مشيراً إلى أن هناك تقارير مفادها بأن أستراليا بدأت الاستعدادات لإلغاء الصفقة قبل 18 شهراً من الإعلان الرسمي عن فسخ العقد المبرم عام 2016.وتابع السفير: "ذلك يعني أننا تعرضنا للتضليل المتعمد على مدى 18 شهراً. استمرت الاستعدادات للجريمة 18 شهراً. وإذا ثبتت صحة التقارير عن الخيانة وازدواجية اللغة المتعمدة، ولم يفندها أحد بعد، فإن ذلك يمثل خرقاً فادحاً للثقة ومؤشراً سيئاً جداً".ولفت إلى عقد اجتماع بين وزراء خارجية ودفاع فرنسا وأستراليا أواخر أغسطس الماضي حيث لم يتم ابلاغهما بأي تغيير بشأن الصفقة.من جانب آخر، تجنب بيان الخارجية الفرنسية الإشارة إلى بريطانيا لكن مصدراً دبلوماسياً فرنسياً قال إن باريس تعتبر أن بريطانيا انضمت إلى الاتفاق بـ"طريقة انتهازية". وأضاف: "لسنا بحاجة إلى إجراء مشاورات مع سفيرنا بلندن لمعرفة ما يجب فعله أو استخلاص أي استنتاجات".برود أميركي
في المقابل، جاء رد الولايات المتحدة وأستراليا على الخطوة الفرنسية "بارداً".وصرح مسؤول في البيت الأبيض مشترطاً عدم كشف اسمه بالقول:"لقد كنّا على اتصال وثيق مع شركائنا الفرنسيين بشأن قرارهم باستدعاء السفير إلى باريس للتشاور. ونأسف لأنّهم اتّخذوا هذه الخطوة، لكنّنا سنستمرّ بالتواصل في الأيام المقبلة لحلّ الخلافات بيننا، كما فعلنا في مسائل أخرى خلال تحالفنا الطويل". وأضاف:"فرنسا أقدم حليف لنا وأحد أقوى شركائنا، ونتشارك معها تاريخاً طويلاً وقيماً ديمقراطيّة والتزاماً بالعمل معاً لمواجهة التحدّيات الدوليّة".وتابع:"كما نتشارك المصلحة بضمان أن تبقى منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرّة ومفتوحة. وسنواصل تعاوننا الوثيق مع حلف شمال الأطلسي والاتّحاد الأوروبي وشركاء آخرين في هذا المسعى المشترك".من جهته، أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، أن بلاده تأمل أن تتمكن من إثارة خلافها مع فرنسا بشأن أزمة الغواصات، على مستوى عال، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل في نيويورك.في موازاة ذلك، أعربت وزيرة خارجية أستراليا ماريس باين عن تفهم بلادها "خيبة أمل" فرنسا، وقالت من واشنطن: "ليس هناك شكّ في أن هذه قضايا يصعب جداً معالجتها". وأضافت: "لكننا سنواصل العمل بشكل بناء ووثيق مع زملائنا في فرنسا".ورفض رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون انتقادات فرنسا بشأن عدم تلقيها تحذيرات بشأن الصفقة، وقال إنه أثار مع ماكرون في يونيو الماضي احتمال أن تلغي بلاده عقد الغواصات.وقال السفير الفرنسي في أستراليا، إنه حضر أيضا اجتماع ماركون مع موريسون، وان رئيس وزراء أستراليا قال بالفعل إن هناك تغييرات في الوضع الإقليمي، لكنه لم يشر إلى التفكير في تغيير صفقة الغواصات إلى أخرى تعمل بالطاقة النووية.رئاسية فرنسا
وفي حين تستعد باريس لتولي رئاسة الاتحاد الأوروبي ولانتخابات رئاسية العام المقبل، تحولت الأزمة الجديدة إلى مادة سياسية دسمة. وكانت مرشحة اليمين المتطرف الرئاسية مارين لوين قالت قبل أيام قليلة من الازمة ان برنامجها الانتخابي الخارجي ينص على ضرروة الخروج من حلف "الناتو" ومن القيادة الموحدة لـ "الأطلسي" متهمة الحلف بـ"نشر المنطق الحربي الذي تخطاه الزمن للحرب الباردة". وأمس الأول، دعا مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون إلى انسحاب بلاده من "الناتو".واعتبر ميلونشون أنه "بعد الفضيحة الأخيرة بشأن انسحاب أستراليا من اتفاقية الغواصات مع مجموعة نافال الفرنسية باتت باريس تحتاج إلى التوقف عن الانغماس في الأوهام".وأضاف:"كذلك يجب على فرنسا الانسحاب من حلف شمال الأطلسي وإغلاق مركز الناتو المتميز والذي تريد الولايات المتحدة بناءه في تولوز".الغواصات المرتجعة
على مستوى آخر، بدأ مراقبون يتداولون معلومات عن اهتمام دول بشراء الغواصات الـ 12 التي بدأت فرنسا ببنائها، وأشاروا إلى أن دولاً مثل مصر وأطراف خليجية واسرائيل قد تكون مهتمة بالحصول عليها.مقترح ألماني
وفي حين عززت هذه الأزمة الدعوات الأوروبية المتجددة خصوصاً بعد الانسحاب من أفغانستان الى اعتماد سياسة عسكرية وأمنية أكثر استقلالية وفعالية، وأحيت اقتراح ماكرون بتأسيس جيش أوروبي موحد والذي جرى تخفيفه لاحقاً إلى تشكيل قوات تدخل أوروبية، أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارنباور اعتزامها تقديم مقترح لتسريع وتيرة تنفيذ مهام عسكرية مستقلة تحت مظلة "الاتحاد الأوروبي"،.«الناتو»
وهيمنت الأزمة على اجتماع عقد أمس لقادة أركان الدول الأعضاء في "الناتو" في العاصمة اليونانية أثينا. وقال رئيس اللجنة العسكرية في الحلف، إن الحلف يواجه تحديات في حفظ النظام العالمي من "قوى متسلطة" مثل روسيا والصين، مضيفاً أنه بحاجة إلى وحدة بين طرفي المحيط الأطلسي للوقوف معاً في وجه التحديات.في غضون ذلك، رجح "البنتاغون" أن روسيا قد تشكل على المدى القصير أخطر مشكلة أمنية تواجهها الولايات المتحدة وأوروبا في المجال العسكري.وشدد نائب وزير الدفاع الأميركي للشؤون السياسية، كولين كال، على أن القوات الأميركية المنتشرة في أوروبا "تبقى قوية وجاهزة ومرنة وتقدم ردعاً راسخاً وفعالاً".ماليزيا: «أوكوس» سيتسبب في سباق نووي
عبرت ماليزيا أمس عن مخاوفها من أن تؤدي الخطط الأسترالية الرامية لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، بموجب اتفاق جديد مع بريطانيا والولايات المتحدة، وفق تحالف "أوكوس"، إلى سباق للتسلح النووي في منطقة المحيطين الهندي والهادي.وقال مكتب رئيس الوزراء الماليزي في بيان "سيثير ذلك قوى أخرى لاتخاذ إجراءات أكثر عدوانية في المنطقة، خصوصا في بحر الصين الجنوبي".