الزراعة المنزلية.. تجربة بيئية وجمالية تشهد إقبالاً من الكويتيين
لرفع جودة الحياة صحياً ونفسياً بوجه التلوث ورفد الأمن الغذائي
لا يقوم مفهوم المدن والمجتمعات الخضراء بأنظمتها البيئية الصحية إلا من نواتها الأولى أي المنزل ذي الجودة العالية لحياة أفراده ما يوجب توافر عناصر جمالية وصحية في وجه التلوث بأشكاله البصري والبيئي وغيرها ويمكن تلمس ذلك بتوجه العديد من الأسر الكويتية نحو الزراعة المنزلية «البستنة» بأشكالها التقليدية والحديثة.ولا يتوقف الأمر بالطبع عند الجانب الجمالي والصحي فالكويتيون عموماً ليسوا حديثي العهد بممارسة الزراعة بمفهومها العام إذ تغطي جزءا ليس بالهين من أمنهم الغذائي ولوحظ في الآونة الأخيرة توجه العديد من المواطنين نحو الزراعة المنزلية لإنتاج الخضراوات والفواكه اليومية والموسمية التي تثري موائدهم لما في ذلك من فوائد صحية وبيئية ملحوظة.وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه المزارعين المنزليين إن صح التعبير من الناحية البيئية ومحدودية ما تجود به التربة في مناخنا الصحراوي القاحل فإن البعض استطاع التغلب على هذه المصاعب وإنتاج ما تجود به زراعتهم بلجوئهم إلى الطرق الحديثة والمبتكرة التي مكنتهم من إنتاج محصول زراعي معتبر مثل الخضراوات والفواكه بمختلف أنواعها.
وأجمع مزارعون منزليون في لقاءات متفرقة السبت، على أن الزراعة المنزلية أضحت شغفاً وهواية يستمدون منها الفوائد سواء على الجانب الشخصي كالانضباط والصبر والمثابرة ويكمن الجانب الروحي منها بالتسلية واستغلال وقت الفراغ ونشوة الإنجاز في رؤية حصاد ثمارهم وتفتح نباتاتهم.وقال المواطن ناصر أبا الخيل وهو أحد هؤلاء المزارعين المنزليين، إنه يستعين بالمياه العذبة التي توفرها الدولة لجميع المنازل مما يساعدهم على إرواء مزارعهم المنزلية والمحافظة على اخضرارها وانتعاشها.وأضاف أبا الخيل أن بعض المحاصيل كالزعتر والبقدونس والكرفس والخيار والتوابل بحاجة إلى جودة أعلى من المياه العذبة الطبيعية التي تحافظ على انتظام نسبة قلوية التربة فارتفاع نسبة قلويتها يأتي نتيجة ارتفاع قلوية المياه المستخدمة في ري النباتات ما من شأنه زيادة نسبة الصوديوم على حبيبات التربة ويؤثر بالتالي سلباً على إنتاج المحاصيل مؤدياً ذلك لذبولها وموتها.وأوضح أن استخدام حمض الفسفوريك يعتبر من أهم الحلول المتوفرة للتحكم في قلوية المياه المستخدمة لري التربة والنباتات ويمكن شراؤه من محال الأدوات الزراعية تحت أسماء تجارية مختلفة.وأشار إلى ضرورة استخدام احتياطات السلامة لأن التعرض للحمض مباشرة قد يؤدي إلى مشاكل صحية يمكن تجنبها من خلال ارتداء النظارات الواقية والقفازات اليدوية وغيرها.من جانبها، قالت المواطنة نورة الأحمد، إن المناخ الجاف يشكل تحدياً ليس سهلاً في إنتاج محصولها الزراعي خصوصاً على بعض الفاكهة والخضراوات التي تحتاج لأجواء معتدلة ومائلة للرطوبة إلى حد ما كالجزر والفجل والجرجير والخس.وأضافت الأحمد أن بناء محمية منزلية مغطاة بات من الحلول العصرية التي استطاعت تحقيقها للتغلب على حدة الطقس وحرارته للحفاظ على زهوة نباتاتها واستمراريتها بالإثمار والنماء. من جهتها، قالت المواطنة خديجة الرفاعي، إن الزراعة المنزلية أتت بعائد جميل وإيجابي انعكس على صحتها النفسية والجسدية إذ ارتبطت وجدانياً بما تزرعه فالنباتات نعمة إلهية لا تبخل على من حولها بأطيب الثمرات وتجود على البيئة بصفاء النسيم وتتجلى بمنظر يبهج الأبصار.وعلى الصعيد الجسدي أفادت بأن الزراعة المنزلية تعتبر أحد أنواع التأمل والرياضة التي ترفع من أداء لياقتها البدنية ومرونتها الجسدية مما ينعكس على صحة القلب والعظام والعضلات فالتعرض لأشعة الشمس المفيدة من خلال الزراعة يزودها بجرعة فيتامين «د» الذي يعاني من نقصانه العديد من الأشخاص.وبشأن الحلول لمشكلة قلة المساحة التي تواجه المزارعين المنزليين، قال خبير الزراعة المنزلية نوري الأستاد، إن من الممكن استغلال مساحات المنزل كالسطح والفناء «الحوش» والنوافذ في حال عدم توفر المساحة الكافية.وأضاف الأستاد أن شراء الأوعية المستخدمة لزراعة النباتات «أصيص» وتبني النظام الأفقي الذي يعتمد على زراعة النباتات عموديا عوضا عن أخذها حيزاً من مساحة الأرض من شأنهما فتح آفاق المزارع لتنويع زراعته بصورة أكثر شمولية حيث استطاع من خلال تلك الحلول إنتاج شتى أنواع الفاكهة منها على سبيل الحصر الخوخ والتفاح والتين وغيرها.في موازاة ذلك دأبت هيئة الزراعة والثروة السمكية على تقديم شتى أنواع الدعم لمن يرغب ببدء الزراعة المنزلية ولا يقتصر الدعم على من يمتهن العمل الزراعي بشكله الاحترافي بل يصل كذلك إلى الهواة المبتدئين ممن يرغبون في استثمار أوقات فراغهم بهواية مشوقة ذات عائد مثمر يؤمن فيه جزءاً من أمنه الغذائي من خلال زراعة حديقته المنزلية والأفنية المرافقة لها.ففي كتيب إرشادي لهيئة الزراعة بعنوان «تهيئة الحديقة المنزلية للزراعة» يخضع تصميم الحدائق المنزلية للعديد من الضوابط المهمة الواجب على المزارع المنزلي اتباعها ومن شأنها أن تضفي منظراً جمالياً وجودة بيئية صحية للحديقة المنزلية ومحاصيلها الزراعية.ووفق الكتيب فإن أول تلك الضوابط هو إعداد وتجهيز التربة وضبطها لتتماشى مع المناسيب المطلوبة كتمديد أنابيب الري وفقاً للمخطط المعد للحديقة المنزلية ثم يأتي تجهيز أحواض الزهور ومواقع المسطحات والشجيرات وتسميدها بالأسمدة العضوية.ويكمن أهم أهداف إنشاء الحديقة المنزلية في تخصيص ركن لزراعة الخضراوات والفواكه المستخدمة في الطعام تحقيقاً للأمن الغذائي المنشود خصوصاً الخضراوات ذات دورة الحياة القصيرة التي تعتبر من أنسب أنواع الزراعة في حديقة المنزل كالخضراوات الورقية والطماطم والجزر وغيرها من المحاصيل سريعة النمو مع أهمية اتباع نظام الدورة الزراعية للمحافظة على خصوبة التربة.ولم يغفل الكتيب عن ضرورة إجراء الصيانة الدورية للحديقة المنزلية كالعناية بالنباتات والتربة الزراعية وجودة المياه وجميع مكونات الحديقة لضمان استدامتها وجودتها ويمكن القيام بذلك من قبل المزارع بنفسه أو بواسطة فني متخصص لضمان استدامتها.كما توفر الهيئة لجميع هواة الزراعة المنزلية أو من يرغب في الانخراط بهذه الهواية العديد من دورات التدريب الإرشادية التي تخولهم لمعرفة أسس الزراعة المنزلية ولا يقتصر ذلك على ذلك فحسب بل تقوم كذلك بتوزيع الشتلات بشتى أنواعها المختلفة على جميع الهواة من المواطنين والمقيمين بأسعار رمزية ليبدأ الراغبين في ممارسة الزراعة بكل سلاسة واقتدار.وعلاوة على ذلك توفر الهيئة الكتيبات العلمية التي تمكن المزارع من معرفة أبجديات إنتاج المحاصيل الزراعية وأنواعها ومواسمها ليس ذلك فحسب بل توفر المعلومات التي تساعد على زراعة أشجار الزينة التي من شأنها أن تضيف للمنزل لمسة تساهم في مكافحة التلوث البصري وتحسين جودة البيئة المحيطة.ومن شأن تلك الكتيبات نشر التوعية والمعلومة القيمة التي تسهم كثيراً في تجنب الآفات الزراعية وتزويد المعني بالأساسات التي يجب على كل مزارع منزلي الاطلاع عليها لاسيما التي تختص بمكافحة الامراض والأوبئة التي تصيب المحاصيل التي اجتهد المزارع المنزلي على تحصيلها.