تشخص الأنظار السياسية في لبنان إلى ما بعد مرحلة نيل حكومة نجيب ميقاتي ثقة المجلس النيابي. ستسير الحكومة على خطيّن متوازيين، الأول يتعلق بالخطة الاقتصادية والملفات المالية، والثاني تستمر على إيقاعه الاشتباكات السياسية التي ستتجدد ويرتفع منسوبها أكثر فأكثر، وهذا الأخير قد يحولها إلى حلبة إشتباك سياسي ويجهض فكرة جعلها فريق عمل موحد ومنسجم. ولا تخفي مصادر حكومية وجود خلافات حول الوجهة الاقتصادية، إذ تنقسم الحكومة إلى أكثر من فريق. طرف يسعى إلى فرض إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإحداث تغييرات جذرية في حاكمية المصرف المركزي، هذا الطرف يمثله رئيس الجمهورية ميشال عون، وطرف آخر يفضل الحفاظ على القطاع المصرفي وعلى حاكم مصرف لبنان.
تحت هذا السقف ستتوسع الخلافات في المواقف السياسية، خصوصاً أن عون لا يزال يؤكد سراً وعلانية أنه سيخصص الأشهر المتبقية من ولايته الرئاسية لمحاربة الفساد، ولمن يشكلون منظومة حماية للفاسدين، للموقف أبعاد سياسية تستهدف خصوم عون السياسيين، وبناء عليه تشير مصادر متابعة إلى أن الحكومة ستكون ميدان منازلة كبيراً في السياسة، بين عون من جهة، وخصومه من جهة أخرى خصوصاً نبيه بري وسعد الحريري وسليمان فرنجية. بحال وقع الاشتباك، فستذهب الحكومة حينها إلى الغرق في توترات سياسية تنعكس سلباً على المطلوب منها اقتصادياً ومالياً وإصلاحياً.ما يقصده عون في محاربة الفساد لن يقتصر على التدقيق المالي الجنائي في المصرف المركزي، ولا على محاسبة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وكانت «الجريدة» أول من أثار نقطة سعي عون للحصول على تعهد من ميقاتي في اللقاء الأول الذي عقد بينهما بعد تكليفه بتشكيل الحكومة، بضرورة محاكمة سلامة وإقالته وتعيين شخص بديل عنه. وهنا تكشف مصادر متابعة أن جواب ميقاتي كان واضحاً بأن لا صلاحية للحكومة بإقالة حاكم مصرف لبنان، وهناك آليتان فقط لإقالته، الأولى تتعلق بحكم قضائي بحقه، والثانية أن يكون قد أصبح في حالة صحية تثبت معها عدم أهليته على الاستمرار في هذا المنصب. على الرغم من هذا الجواب، لا يزال عون مصراً على موقفه، وهو يريد استنزاف سلامة حتى آخر رمق وبعدها الذهاب إلى إقالته أو إصدار مذكرة توقيف قضائية بحقه، أو بالحد الأدنى الوصول إلى تسوية توفر لحاكم مصرف لبنان مخرجاً آمناً من لبنان. وهناك من يرى أن عون لن يغادر القصر الجمهوري وسلامة في منصبه، بل سيسعى إلى إزاحته قبل انتهاء ولايته الرئاسية.لن يكون سلامة هو عنوان الاشتباك الوحيد، إنما المعركة المفتوحة حول التحقيق في تفجير المرفأ ستبقى مستمرة، وكذلك بالنسبة إلى الصراع حول التعيينات الإدارية وبعض التعيينات الأمنية، وسط معلومات تفيد بأن عون يريد تعيين بديل عن مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والذي يعتبره محسوباً على الحريري، ولكن المصادر تؤكد أن ميقاتي لن يوافق على ذلك، وعليه ستتكرر تجربة حكومة ميقاتي في عام 2011 التي ضغط فيها عون ومن خلفه حزب الله لإقالة مدير عام قوى الأمن الداخلي حينها أشرف ريفي، فيما استقال ميقاتي لاحقاً بسبب عدم قدرته على التمديد له في منصبه. بقدر ما يعلق اللبنانيون آمالاً على دور الحكومة في الإنقاذ الاقتصادي وتخفيف وطأة الأزمة، بقدر ما ترفع القوى السياسية اللبنانية المزيد من المتاريس استعداداً لصراعات لا تنتهي من الآن إلى الانتخابات النيابية المقبلة.
دوليات
عون يعلن الحرب ويحوّل حكومة ميقاتي إلى حلبة صراع
20-09-2021