يتكلم الكثيرون عن إقدام إيران على استخدام عملاء أو جماعات حليفة لها لفرض "قوتها الصلبة" في أنحاء الشرق الأوسط، حيث تعتبر طهران مصالحها مُهددة (لبنان)، أو تتعامل مع الوضع وكأنه فرصة مناسبة لتوسيع نفوذها (سورية، العراق)، أو تتصرف كقوة تخريبية (اليمن)، لكن الكثيرين لا يتطرقون في المقابل لطريقة استعمال الطاقة من الجانب الإيراني، وتتضح هذه المقاربة في إصرار إيران على استخدام صادرات الطاقة للاستفادة من غياب الاستقرار في دول المنطقة وتأمين حاجاتها المحلية.

في العراق المجاور مثلاً، تلبّي صادرات الغاز والكهرباء الإيرانية أكثر من ثلث حاجات البلد إلى الطاقة، لا سيما في الجنوب، فقد كان العراق يتكل على مصادر الطاقة الإيرانية لدرجة أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان يضطر لإصدار إعفاء خاص من سياسة "الضغوط القصوى" التي فرضها على طهران خوفاً من انهيار شبكة الكهرباء في العراق، ورغم الوعود بتقليص هذا الاتكال، وجد العراق صعوبة في التخلص من هذه العادة الراسخة، وعندما تخلّفت بغداد عن سداد مستحقاتها وخفّصت طهران إمداداتها، تفاقمت مظاهر الفوضى السياسية.

Ad

كذلك، تُصدّر طهران الكهرباء إلى أفغانستان وباكستان وتركيا، مع أن واردات الطاقة من إيران إلى تركيا تراجعت في الفترة الأخيرة بضغطٍ من واشنطن ونتيجة رغبة سياسية داخلية بتنويع مصادر الطاقة المحلية، لكن دور الطاقة اتّضح في توسيع "قوة إيران الناعمة" في لبنان بشكلٍ أساسي، إذ تفكك الاقتصاد اللبناني، وانهارت العملة المحلية بالكامل، وأصبحت الحكومة عاجزة عن تحمّل كلفة شراء الوقود ومتابعة دعم السلع، مما يعني أن سعر غالون البنزين ارتفع بنسبة 220% خلال سنة، وفي الشهر الماضي، قرر مصرف لبنان رفع الدعم بالكامل، مما أدى إلى إثارة استياء الحكومة.

برز دور إيران، أو بالأحرى حليفها اللبناني حزب الله، في هذه المرحلة بالذات، فأعلن أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، أن لبنان سيستورد النفط الإيراني ويدفع ثمنه بالليرة اللبنانية، وأنكر وزير الطاقة السابق ريمون غجر أي محاولات لنيل الإذن باستيراد النفط الإيراني، ومع ذلك وصلت ناقلة إيرانية إلى ميناء بانياس السوري، ونقلت حمولتها بالشاحنات إلى لبنان، ولا أحد يعرف بعد إلى أي حد ستنجح هذه العملية في تخفيف أزمة الطاقة التي يشهدها لبنان راهناً، مع أن هذه الخطوة تحمل رمزية كبرى تساوي بأهميتها المنافع العملية المترتبة عليها.

هذه التحركات تُهدد نظام العقوبات الأميركي ضد إيران، ومن المتوقع أن ترفع أسهم حزب الله محلياً بعدما تلطخت سمعته غداة مشاركته في حكومة تفشل دوماً في تلبية حاجات الشعب اللبناني، لكن الخيارات البديلة عن إيران، مثل استيراد الغاز من مصر أو جلب الكهرباء من الأردن، تتطلب المرور بسورية وتفرض هذه العملية نوعاً مختلفاً من التحديات، وسيكون هذا التحرك بمنزلة خطوة جديدة باتجاه إعادة دمج سورية في الهندسة الإقليمية، بغض النظر عن التحديثات التقنية المطلوبة على مستوى البنية التحتية، كما أنه سيُسهّل على دمشق الحصول على العملة الصعبة، لكن ستكون هذه الخطوة أهون الشرَين من وجهة نظر واشنطن.

تتنبه إيران دوماً إلى الفرص المتاحة أمامها، وهي تعرف أنها تستطيع استعمال الطاقة كورقة رابحة رغم الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها، لقد أثبتت طهران أنها مستعدة لأخذ المبادرة في العلاقات الإقليمية، لكن دبلوماسية الطاقة الإيرانية في الخارج لا تمنع ظهور تحديات داخلية، فقد شهد البلد خلال هذا الصيف انقطاعاً للتيار الكهربائي في مناطق من إيران لأن زيادة الطلب على الطاقة تزامن مع تراجع إنتاج الطاقة الكهرومائية خلال فترات الجفاف. لم يتضح بعد إلى متى ستتابع إيران استعمال موارد الطاقة التي تملكها في المنطقة لكسب النفوذ، لا سيما إذا كانت تعجز عن التفاوض على نتيجة ناجحة خلال المحادثات الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، وإذا انضمت واشنطن إلى ذلك الاتفاق مجدداً، فمن المتوقع أن تزداد فاعلية دبلوماسية الطاقة الإيرانية.

ذا إنتربريتر

* رودجر شاناهان