كان أول تحرك للإسلاميين في الكويت نحو العمل الجماعي العلني المنظم من خلال "جمعية الإرشاد الإسلامي"، التي تأسست عام 1951، وإن كان القانون الأساسي للجمعية كما يقول د. علي الزميع، "بدون تاريخ" (ص83).وقد تأسست الجمعية على يد مجموعة من الكويتيين المتأثرين بحركة "الإخوان المسلمين" في مصر والعراق، وذلك بعد أن "شعر العديد من المتحمسين الإسلاميين أن المجتمع الكويتي قد بدأ يتأثر بالأيديولوجيات المتعددة التي قد تهز وتغير طبيعته الدينية، وتفقده شخصيته المحافظة التي كانت في طور التشكل، وأكد وعزز هذا الشعور بروز الفكر القومي وأنشطته التي بدأت باكتساب زخم في الحياة الفكرية والسياسية للمجتمع بشكل عام". (ص80).
تأثرت هذه المجموعة المؤسسة بفكر "الإخوان المسلمين" لا بالفكر السياسي في مصر، والتي عرفت في الفترة نفسها ومنذ أواخر القرن التاسع عشر المجالس النيابية والقيم الليبرالية وأفكار تحرر المرأة، وحركات تجديد الأدب، ووضع القوانين، والدستور، والكثير من الظواهر والمظاهر الأخرى التي لم يحفل بها هذا الجمع الكويتي المؤسس للإخوان إطلاقاً، والأهم من ذلك أن جماعة الإخوان لم تكن كذلك استمراراً للعمل السياسي في الكويت نفسها وبخاصة تأسيس المجالس وتطور التشريعات والدعوة إلى الإدارة الحكومية الحديثة، ورغم أن مرشد الإخوان في مصر الشيخ حسن البنا كان قد رشح نفسه في الانتخابات عام 1942 عن دائرة الإسماعيلية غير أنه انسحب بعد أن رفضت الحكومة طلب الترشيح، ووافق البنا على سحب الطلب مقابل تسامح الحكومة مع بعض نشاطات الإخوان.كيف ينظر د. الزميع إلى الحركة السياسية في الكويت وتطور نظام الحكم؟ يقول الباحث في فقرة جريئة: "يحكم الكويت، شأنها في ذلك كسائر الإمارات في الخليج العربي، نظام عشائري قبلي تحكم فيه أسرة واحدة بتولي أفرادها الحكم بالوراثة، يتم اختيار الحاكم من أسرة الصباح في اجتماع يضم الرجال الكبار في هذه الأسرة، ثم يقبل به وجهاء وأغنياء البلد إضافة إلى بقية أفراد الأسرة؛ ليكون أميراً بعد أن يتعهد بأن يحكم بين الناس بالعدل والمساواة، وكان لا يسمح للأمير أن يكون منفرداً في اتخاذ القرارات، وعليه أن يحكم وفقا للشريعة الإسلامية والعرف السائد، وفي مقابل ذلك يتلقى الولاء والطاعة، كان هذا النظام سائداً منذ نشأة الكويت حتى تولي الشيخ مبارك الصباح مقاليد الحكم". (ص55).ويتناول الحياة السياسية بعد عام 1920، فيقول د. الزميع عن مجلس الشورى 1921، إن المجلس ضم في عضويته: "العديد من الشخصيات المعروفة بمعارضتها للشيخ مبارك الصباح وأبنائه من بعده، ورفضها لسياساتهم. وقد تطرق الأعضاء إلى القضيتين الرئيستين اللتين لم يلتزم بهما الشيخ مبارك وهما التشريع الإسلامي، وموقع الحاكم والسلطة السياسية". (ص57).ومن الشخصيات التي شاركت في هذا المجلس من الوسط الديني الشيخ يوسف القناعي أحد رواد الإصلاح ممن دُعي إلى تشكيل مجلس 1921 واختير كذلك رئيسا لجمعية الإرشاد عام 1952 التي أسسها الإخوان المسلمون في الكويت، ويقول د. الزميع: "لم يستطع أي مؤرخ كويتي أن يعطي الأسباب الكاملة وراء حل المجلس". (ص57) ثم يتناول تجربة المجلس الثاني الذي تم حله إثر صدام بعد فترة قصيرة.وفي تقييمه لمجلس عام 1938 يقول: "إن أعضاء المجلس قد أخطأوا في عدم تقدير مدى جدية وخطر الطموحات السياسية والمنطلقات التي يمثلونها في ذلك الوقت داخليا وخارجيا، وكان من أبرز الملاحظات أن المجلس كان يمثل النخبة والمواطنين المتعلمين فقط، ولم يكن فيه من يمثل البدو والشيعة وطبقات المجتمع العاملة الغفيرة التي تمثل أغلبية السكان في ذلك الوقت" (اقتباس عن حمد يوسف العيسى في كتابه الكويت والمستقبل). (د. الزميع ص62).ويضيف الباحث: "انتهى المجلس التشريعي والحياة النيابية في الكويت عندما تردد أن بعض أعضاء المجلس كانوا يطالبون أن تُضم الكويت إلى العراق وقد جعل هذا الأمر الخلاف بين المجلس وخصومه أكثر حدة"، ويقتبس د. الزميع ما يقوله د. عثمان عبدالملك في "نظام الحكم والأجهزة في الكويت"، فيقول: "وقد أكد ديكسون الوكيل السياسي البريطاني في الكويت خلال الفترة 1929-1936 أن أحد أهداف الكتلة الوطنية كان خلع صاحب السمو الشيخ أحمد الجابر وإنهاء الحماية البريطانية في الكويت واستبدالها بالحماية العراقية على أساس أنها بلد إسلامي". (ص62).تأثر الإخوان الكويتيون بالإخوان المصريين في بغداد، وكان الكثير من التجار وطلبة العلم يترددون على البصرة وبغداد ومن بينهم بعض مؤسسي جماعة الإخوان في الكويت، ومنهم السيد عبدالعزيز علي المطوع الذي التقى هناك بمدرس مصري من الإخوان، يقول د. الزميع: "جمع بين عبدالعزيز علي المطوع (وهو تاجر كويتي ذو ميول دينية) ومحمد أحمد عبدالحميد (وهو مدرس مصري يعمل في بغداد)، تم اللقاء في عام 1941م وأعجب عبدالعزيز المطوع بالمدرس الذي كان عضوا بجماعة الإخوان في مصر، وداعية متحمسا لأفكارها ومبادئها، وبعدها أرسل محمد أحمد عبدالحميد نيابة عن عبدالعزيز المطوع طلب انضمام للعضوية ورسالة تعريف إلى الإمام حسن البنا مرشد الجماعة".وتطورت العلاقة إلى اتصال مباشر بمرشد الإخوان في مصر. يقول الباحث: "بعد انضمام عبدالعزيز إلى الإخوان تواصلت المراسلات بينه وبين البنا حتى زيارته لمصر في عام 1945م، حيث التقى بحسن البنا وخالط الإخوان وأمضى شهر رمضان كاملاً معهم، ثم غادر القاهرة إلى مكة، فبقي حتى موسم الحج، حيث التقى بحسن البنا مرة أخرى، والتقى حاجا كويتيا آخر هذه المرة هو عبدالله علي المطوع (الأخ الأصغر لعبدالعزيز) بالبنا والذي تأثر وأعجب كثيراً بفكره". (الحركات الإسلامية السنية والشيعية د. علي الزميع ص81).ولهذا يمكن القول إن أول مؤسسي جماعة الإخوان في الكويت، وهما عبدالعزيز علي المطوع، وعبدالله علي المطوع، كانا ممن اتصل بالمرشد المؤسس للجماعة في مصر مباشرة وعرفاه عن قرب، وربما أتيحت فرص اللقاء به لأعضاء آخرين من أعضاء جمعية الإرشاد. كان للحركة في مصر اهتمام مباشر بتأسيس فرع للإخوان في الكويت. ويقول الباحث: "إنه كان هناك في الفترة نفسها من عقد الأربعينيات من بين المدرسين الموفدين إلى الكويت كأعضاء في البعثة المصرية عدد من المعجبين والمناصرين للإخوان في مصر، وقد ساعد ذلك في بث سمعة طيبة عن الحركة في الكويت، وكان من أبرز هؤلاء المدرسين عبدالعزيز أحمد جلال مدرس اللغة الإنكليزية، والذي يقال إنه قدم إلى الكويت لنشر فكر الإخوان، كما فعل أتباع آخرون ممن أرسلهم البنا لزيارة العراق والكويت والبحرين واليمن لهذا الغرض خاصة، حقق هذا المدرس الإخواني رسالته بطرق شتى منها الاتصال الشخصي وتوزيع مجلة الإخوان الأسبوعية وإلقاء المحاضرات (ص81).يتبع غداً،،،
مقالات
قراءة في حركات الكويت الإسلامية (2)
22-09-2021