العفو وخربشات الهواء
حرب البيانات الأخيرة بين طرفي المعارضة البرلمانية والمعارضة السابقة لم تكن وليدة المصادفة، بل معادلة هندسية اقتضت نتيجتها تصادم خطين متوازيين مستقيمين بعد تغير مسارهما، والعفو كان نقطة التقاطع بعد أن كانت نقطة البداية لكلا المسارين، وكما يفترض أيضا أن تكون نقطة النهاية أيضا، وكما شهدنا منذ بداية دورة هذا المجلس استنزفت هذه النقطة حتى ذرفت نقطة الأمل الأخيرة. وما كان يجب أن يتم التعامل معها هكذا، وكل من في البرلمان يعلم أن هذه النقطة المحورية وفرت موارد لكل ما طبخ في فرن الانتخابات السابقة، ووفرت خبزا طازجا يوميا بالأطنان لكثير من المرشحين الناجحين، ولكن الخبز بعدها تكاثر على المائدة البرلمانية، وصار كل من عليها يقرب نار المصالح صوب قرصه لا قرص المهجرين وأهاليهم، وتحولت نقطة البداية الموحدة إلى نقاط لا تعد ولا تحصى تحاول امتطاء ظهرها، وتتقمص دورها بدون أن تعطيها أهمية حقيقية كأولية.
كان من المفترض أن يحسم ملف العفو في بداية دور الانعقاد، والنواب يعلنون: كيف؟ فالمسار كان واضحا جدا، ولأننا نحتاج جميعا لتجاوزها علين أن نبدأ بخطوط أخرى هي في صلب سكة مهام مجلس الأمة ودوره الدستوري، تقاطعت المسارات في بيانين سحب به أهل القضية الأصليون بساط الريح الذي حلق به مرشحو العفو نحو قبة عبدالله السالم، وأجلسهم على حديدة حامية لمطالب شعبية تم التغاضي عنها بحجة قميص العفو الملطخ بدماء الغربة، مع أنها كانت من ضمن ديباجة الآمال الانتخابية عند المواطنين، كقانون الجرائم الإلكترونية، والإسكان، والبنية التحتية، والتعليم، والصحة، وغيرها، والتي كان من الممكن تحريك ملفاتها على الأقل بجدية عبر الأدوات الدستورية المتوافرة بدون خوض المعارك الدون كيشتوية مع طواحين المسارات السياسية المتخبطة. البيان الأول من هنا ذكر قضية العفو في محاولة أخيرة للاحتفاظ بدور الوسيط، والبيان الثاني من تركيا قال له: شكراً لكم ولكن عفواً اليوم نحن أولى بتولي قضيتنا، فما حك ظهرك إلا ظفيرك ومخالبكم، ومع الأسف الشديد حسب المسار السابق تخربش الهواء فقط، وهذا في علم السياسة يسمى استراتيجيات الهراء الانتخابي لا الهواء البرلماني الضروري لحياتنا وحياة وطننا.