«حيادية الكربون» تضع ثروات الخليج على المحك
● دول مجلس التعاون الأكثر تضرراً من الاتجاه العالمي البيئي لاعتمادها المفرط على البترول
● ميزانية الكويت المتضخمة بالمصروفات تتطلب مستويات قياسية من أسعار النفط
بغضّ النظر عن النقاش الموسع بشأن مدى قدرة استثمارات الطاقة البديلة على إزاحة الطاقة التقليدية كمصدر أول في إنتاج الطاقة عالمياً، فإن ما يستحق النقاش هو مدى تأثُّر دول الخليج، والكويت تحديداً، بما يحدث من تحولات متسارعة في عالم الطاقة.
شهد سبتمبر الجاري مجموعة من الأحداث التي تصبّ في اتجاه دعم التحولات غير التقليدية لسوق الطاقة خلال السنوات القليلة الماضية. فخلال هذا الشهر، برزت على الساحة مجموعة من الأخبار والتصريحات التي تزيد أعباء مقاومة النفط التقليدي لبدائل الطاقة المتجددة حول العالم، وتصب في مصلحة الجهود العالمية نحو حيادية الكربون وخفض انبعاثاته، فكان أول الأخبار إعلان الخطوط الجوية البريطانية إطلاق أولى رحلاتها الحيادية الكربون من مطار لندن هيثرو إلى مطار جلاسكو باستخدام زيت الطهي المُعاد تدويره، وهي رحلة أطلقتها سابقاً أكثر من شركة طيران خلال السنوات الماضية ولكن تميزت رحلة الطائرة البريطانية برفع نسبة خلط وقود الطيران المستدام بنسبة 35 في المئة مع وقود الطائرات التقليدي بعدما كانت في محاولات سابقة لا تتجاوز 20 في المئة، في حين كشفت واحدة من كبريات شركات الطاقة التقليدية، وهي «توتال الفرنسية»، عن عزمها خفض انبعاثاتها بنسبة 40 في المئة بحلول عام 2030، بالتوازي مع قرار صندوق جامعة هارفارد وقف الاستثمار في الوقود الأحفوري، ضمن مساعيها لدعم الجهود الدولية الخاصة لخفض انبعاثات الكربون.في المقابل باعت شركة رويال داتش شل أصولها في حوض برميان (أكبر حقل نفط في أميركا) إلى منافستها «كونوكو فيليبس» مقابل 9.5 مليارات دولار سعياً منها، وهي من عمالقة شركات الطاقة، إلى التوسع في مجال الطاقة المتجددة للوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050، إذ تعمل الشركة - حسب إفصاحها - على التخلص من بعض أصولها في مجال الوقود الأحفوري.وخلال الصيف برزت تحولات عديدة على الصعيد البيئي تتعلق بتوجه صندوق النقد الدولي لتسعير ضريبة على الكربون لتشجيع مساعي خفض انبعاثاته ودعم الاستثمارات الجديدة في البدائل النظيفة.
قمة عالمية
وغير بعيد عن قمة عالمية متوقّع انعقادها بداية نوفمبر المقبل تجمع زعماء العالم، مثل الدول الصناعية والقوى الاقتصادية الصاعدة ودولاً نامية، للمشاركة في قمة كبرى لبحث التغير المناخي في جلاسكو الاسكتلندية (قمة COP 26)، كشف الرئيس الأميركي جو بايدن عن تفاصيل حول خطة انتقال الولايات المتحدة للطاقة النظيفة، واصفاً إياها بـ «أكبر انتقال في تاريخنا».وقال إن الخطة تتضمن «تخفيض الانبعاثات بنسبة لا تقل عن 50 في المئة بحلول عام 2050، وإنتاج طاقة خالية من الكربون بحلول عام 2035، وتوفير وظائف جديدة، وتحديث البنية التحتية للبحوث لتخفيض أسعار الطاقة المتجددة، والتوسع في دعم السيارات الكهربائية لتشمل الحافلات الكهربائية وتطوير بطارياتها»، مضيفاً: «هناك الآن واحد من كل 3 أميركيين يعيش في ولاية تنتقل إلى الطاقة النظيفة... دعونا نسرّع هذه العملية».في المقابل، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ هذا الأسبوع أن بلاده أوقفت بناء مشاريع طاقة جديدة تعمل بالفحم خارج الصين، مشيرا إلى «الحاجة إلى تحسين الإدارة البيئية العالمية والاستجابة بفعالية لتغير المناخ وإنشاء مجتمع حياة للإنسان والطبيعة».وما بين الصين والولايات المتحدة كشف موقع «كاناليس» لأبحاث السوق البريطاني أن مبيعات السيارات الكهربائية عالمياً ارتفعت بنسبة 160 في المئة، خلال النصف الأول من عام 2021 بالتوازي مع التوجه العالمي لخفض الانبعاثات والطاقة النظيفة.نقاش وتحولات
وبغضّ النظر عن النقاش الموسع في عالم الطاقة بشأن مدى قدرة استثمارات الطاقة البديلة على إزاحة الطاقة التقليدية، وتحديداً النفط والغاز كمصدر أول في إنتاج الطاقة عالمياً، فإن ما يستحق النقاش - على الأقل خليجياً - هو مدى تأثر دول الخليج التي تعتمد على النفط 4 منها، هي السعودية والإمارات وقطر، وأخيراً الكويت - التي يصل اعتمادها على الطاقة التقليدية إلى ما يتجاوز 90 بالمئة من إجمالي إيراداتها - بما يحدث من تحولات متسارعة في عالم الطاقة، مع الاتجاه العالمي اللافت نحو ما يُعرف بالاستثمارات الخضراء والحياد الكربوني والضرائب البيئية والمدن النظيفة والسيارات الكهربئية، لدرجة جعلت كبريات شركات الطاقة التقليدية، مثل توتال ورويال داتش شل وبريتش بتروليوم تستثمر مليارات الدولارات في مشاريع الطاقة النظيفة، مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع الهشّ لسوق النفط، حتى قبل ضغوط جائحة كورونا من حيث تراجع الطلب العالمي ودخول النفط الأميركي منافساً لنظيره الخليجي في الأسواق الآسيوية.صعود وعجز
وبنظرة إلى مالية الكويت، نجد أن برميل النفط الكويتي، البالغ سعره حتى إغلاق الثلاثاء الماضي 75.2 دولاراً، لا يزال يقل عن سعر التعادل المعتمد رسمياً في ميزانية دولة الكويت 2022/2021، والبالغ 90 دولاراً للبرميل بـ 14.8 دولاراً، وهذه أول مرة في تاريخ الكويت تتحقق قفزة سعرية لأسعار النفط في العالم - بحدود 48 بالمئة منذ بداية العام - وتظل الميزانية مع ذلك ضمن مستويات العجز المالي، مما يبين أن ميزانية الكويت المتضخمة بالمصروفات خلال آخر 20 عاماً باتت تتطلب - على عكس السنوات السابقة - مستويات قياسية من أسعار النفط، وهو أمر غير وارد في ظل العوامل المعلومة على المديين القصير والمتوسط في أسواق الطاقة التي لا تزال تعاني تحديات الجائحة، ودخول الطاقة البديلة منافسة لنظيرتها التقليدية مع رهانات الدول والمستثمرين عليها في السنوات المقبلة.مصروفات وخدمات
وحتى على المدى الطويل، فإنّ تحديات الميزانية العامة التي تشهد مصروفاتها سنوياً نمواً بحدود 7 إلى 8 بالمئة أقرب الى الواقع من احتمال ارتفاع أسعار النفط التي تشهد تماسكا يرجع في أساسه الى اتفاق غير تقليدي من منتجي «أوبك» والمنتجين المستقلين بقيادة روسيا، تحت مسمّى «أوبك بلس»، وبالتالي فإنّ التفاؤل باستمرار هذا التحالف أو الاتفاق على المدى الطويل ربما لا يكون مبررا، على عكس المخاوف من نمو المصروفات العامة التي تتصاعد، لا سيما مع وجود أكثر من 640 ألف كويتي دون سن الـ 20 عاما، سيضغطون خلال السنوات القادمة على مختلف الخدمات كالإسكان والطرق، ناهيك بسوق العمل.آثار مالية واقتصادية
في الحقيقة، فإنّ مسألة تحولات الطاقة بمختلف دول العالم يمكن مناقشتها من زوايا بيئية أو إنتاجية، أما بالنسبة إلى دول الخليج، وتحديدا الكويت، فالمسألة لها ارتباط بمالية الدولة أكثر من أي شيء آخر، لذلك لم يكن مجلس الوزراء موفقا عند بحث مسائل التغيّر المناخي وخفض انبعاثات الكربون، دون النظر الى الآثار المالية والاقتصادية على الكويت، فالعالم اليوم متغيّر بأسرع مما يتصوره الجميع، خصوصا تلك الدولة المستسلمة لإيراداتها النفطية السهلة، فإن التحول السلبي عليها قد يكون من بوابة «زيت الطهي».أبرز تطورات «سبتمبر 2021» في اتجاه «حيادية الكربون»
• إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أكبر خطة انتقال في تاريخ الولايات المتحدة نحو الطاقة النظيفة.• وقف الصين بناء مشاريع طاقة جديدة تعمل بالفحم في الخارج. • إطلاق الخطوط الجوية البريطانية أولى رحلاتها الحيادية الكربون باستخدام زيت الطهي المُعاد تدويره. • عزم شركة توتال الفرنسية خفض انبعاثاتها الكربونية بنسبة 40% بحلول عام 2030.• قرار صندوق جامعة هارفارد وقف الاستثمار في الوقود الأحفوري.• بيع «داتش شل» أصولها في حوض برميان (أكبر حقل نفط بأميركا) بهدف التوسع في مجال الطاقة المتجددة. • توجه صندوق النقد الدولي لتسعير ضريبة على الكربون.• إعلان نمو مبيعات السيارات الكهربائية عالمياً 160% خلال النصف الأول.