أجندة دفاعية جديدة بين أميركا والفلبين
قبل أيام التقى وزيرا دفاع الولايات المتحدة والفلبين في واشنطن لاستكمال أحدث مشاورات رفيعة المستوى بين البلدين الحليفَين منذ وصول الرئيس الأميركي بايدن إلى السلطة في وقتٍ سابق من هذه السنة، وكانت هذه المحادثات جزءاً من تفاعلات متواصلة، لكنها أثبتت في الوقت نفسه استمرار الجهود الرامية إلى طرح أجندة جديدة حول طبيعة التحالف الأميركي الفلبيني الذي يهمّ البلدَين معاً والمنطقة ككل نظراً إلى تصاعد التحديات المرتقبة أمامهما.ليس مفاجئاً ألا يكشف أيٌّ من الطرفَين عن تفاصيل اللقاء، لكن وفق ملخص الاجتماع بين الوزيرَين، يبدو أن الطرفين اتفقا على إطلاق "عدد من المبادرات الجديدة" لضمان جاهزية التحالف وتقييم قدرته على معالجة التحديات الجديدة والناشئة، وتشمل هذه المبادرات إعداد بيان حول رؤية مشتركة، ووضع إطار عمل بحري بين الفريقَين، وتجديد "الحوار الاستراتيجي الثنائي"، واستئناف المشاريع بموجب "اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز"، هذه المبادرات الفردية ليست مفاجئة بأي شكل، لكنها تحمل مُجتمعةً معنىً مهماً كونها تسعى إلى إعداد أجندة واضحة لتحديث التحالف القائم في ظل التحديات الجديدة.يُمهّد التوجه إلى طرح بيان حول رؤية مشتركة بين الطرفين ووضع إطار عمل بحري ثنائي لنشوء مجالات جديدة للتعاون داخل التحالف، رغم عدم الإفصاح علناً عن أي تفاصيل إضافية، وسيشكّل هذا البيان المشترك بين البلدين فرصة مناسبة كي يتعاون الفريقان على نطاق واسع في مجالات بالغة الأهمية، كما فعلت واشنطن في الماضي مع حلفاء وشركاء آخرين في آسيا، مثل تايلند، بدل التركيز على مسائل ضيقة لتحقيق المصالح الخاصة.
يُفترض أن يراعي أي إطار عمل بحري رسمي بين الطرفين الديناميات المتبدلة داخل التحالف وفي المنطقة ككل، بما في ذلك توسّع الوجود الأميركي العسكري، ومكانة الصين البحرية، وقدرات الفلبين التي بدأ البنتاغون يقيّمها تزامناً مع سعي فريق بايدن إلى تحديد مقارباته العامة تجاه الصين ومنطقة المحيطَين الهندي والهادئ، علماً أن تفاصيل هذا التقييم لم تُنشر بعد.يثبت التطرق إلى "الحوار الاستراتيجي الثنائي" و"اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز" أن هذه الجهود مُعدّة للاستمرار، لكن يحمل كل عامل منهما أهميته الخاصة، ويشير "الحوار الاستراتيجي الثنائي" إلى آلية رفيعة المستوى تضع المسائل المرتبطة بالدفاع في إطار تحالف عام يتماشى مع روحية التعاون الشامل لمواجهة تحديات متنوعة مثل وباء كورونا والتغير المناخي، أما التكلم عن استئناف نشاطات "اتفاقية التعاون الدفاعي المعزز"، فهو يشير في آن إلى النتائج الملموسة التي تنجم عن إعاقة التعاون الدفاعي في ظل تصاعد الاضطرابات في التحالف الأميركي الفلبيني خلال عهد رئيس الفلبين رودريغو دوتيرتي، فضلاً عن طرح مسار محتمل لإحراز التقدم في العلاقات الأمنية. لن تخلو هذه الجهود من التحديات طبعاً، إذ يجب أن تحصل المبادرات الجديدة على القدر المناسب من التركيز والموارد والإشراف لضمان إحراز التقدم المنشود، وحتى لو حصل تقدّم حقيقي في هذه البنود المحددة، سيتزامن تنفيذها مع مسائل عامة أخرى داخل التحالف، منها تحركات دوتيرتي الانفعالية، وتبدّل الديناميات المحلية والإقليمية نتيجة احتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، واقتراب موعد الانتخابات الفلبينية والانتخابات النصفية الأميركية في عام 2022، كذلك، قد تؤثر تطورات غير متوقعة على الوضع القائم ولن يقتصر تأثيرها على ظروف المنطقة، مثل العمليات في بحر الصين الجنوبي، بل ستنشأ تداعيات أخرى لها علاقة بأحداث مثل الانسحاب الأميركي من أفغانستان. سبق أن أجّج هذا الانسحاب المخاوف من الإرهاب في جنوب شرق آسيا.مع ذلك، تستحق الجهود الناشئة لوضع أجندة دفاعية مشتركة بين الولايات المتحدة والفلبين ومعالجة التحديات الجديدة والمتنوعة الانتباه، وفي حين يعمل صانعو السياسة الأميركية على إقامة شراكات جديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما يشبه شراكتهم مع فيتنام، فقد يترافق أي تقدّم في بعض تحالفات واشنطن القديمة، على غرار علاقتها مع الفلبين، مع تداعيات تؤثر على الطرفَين معاً وعلى منطقة المحيطَين الهندي والهادئ وجنوب شرق آسيا ككل.* براشانث باراميسواران