الثقافة وأثرها في صنع السياسة الخارجية الصينية
![فاطمة لمحرحر](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1632328497916621300/1632328525000/1280x960.jpg)
ارتباطا بما أسلفنا، فإن العامل الثقافي يظل حاضرا باستمرار كخلفية للسياسة الخارجية للصين، التي أصبحت لاعباً رئيساً في الساحة الدولية، بهدف خلق جسور من التواصل الحضاري والثقافي، انسجاماً مع استراتيجيتها القائمة على مبدأ القوة الناعمة.ويمكن القول كذلك، بأنها وريثة حضارة عمرها قرون، ولديها من الأصول التاريخية والثقافية ما لا يمكن إنكاره، ومما لا يترك نوعا من اللامبالاة بحجم التنوع والاستمرارية في الثقافة الصينية، وبالتالي يصعب معه مقاومة الرغبة في معرفة أو تعميق الجوانب المتعددة لهذه الثقافة. ولهذه الاعتبارات، فإن الصين مطالبة بسلوك طريق استثمار الغنى الثقافي، إذا رغبت في تغيير صورتها، وأن تجعل من نفسها معروفة ومفهومة بشكل أفضل، على الرغم من بعض الآراء التي غالباً ما تكون غير مواتية لها، وتشكل نوعاً من الحجاب المانع لمعرفة هذا البلد بشكل شامل ومتعمق.ومن جهة أخرى، فخصوصيات الصين الأيديولوجية والسياسية، ونموها الاقتصادي ورغبتها في أن تصبح قوة عسكرية كل ذلك يثير نوعا من التناقض على طريق التنمية السلمية، إضافة إلى الانتقادات الكثيرة الموجهة إليها حول موضوعات الدمقرطة وحرية التعبير وحقوق الإنسان، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان على الصين بناء صورة إيجابية وسليمة.وعلى ضوء ما سبق، يبدو جليا أن الصورة الجيدة للدولة تسمح لها بالحصول على مزايا اقتصادية وجاذبية أفضل للمستثمرين والسائحين والطلاب... بالإضافة إلى أن الصورة الجيدة للثقافة الوطنية تساعد في تسهيل التبادلات والحفاظ على رصيد سياسي واستراتيجي، مما يسهل فهم مواقفها ويشجع على حشد الشركاء، وبالتالي تعزيز الموقع السياسي والتأثير بشكل أقوى على الساحة الدولية. وتجدر الإشارة إلى أن صورة الصين في الوقت الحاضر لا تزال متناقضة، حيث نجد أنها تتمتع بصورة جيدة لدى معظم البلدان النامية، التي تعتبرها شريكا اقتصاديا مرغوبا فيه ونموذجا تنمويا جذابا، في حين تحظى بصورة سلبية نوعا ما في عيون الدول المتقدمة، إذ غالباً ما يُنظر إليها على أنها عملاق، غازٍ، وغير ديموقراطي.وانسجاما مع هذه الرؤية، فقد عملت الصين على إضفاء الطابع المؤسساتي على استراتيجيتها الثقافية، في محاولة للانتشار على نطاق واسع من خلال نسج شبكة ثقافية عبر العالم للترويج لحضارتها، خصوصاً عبر إنشاء المراكز الثقافية الصينية بالتعاون مع الجامعات أو المنظمات في البلدان المستقبلة؛ إضافة إلى ذلك تضاعفت المبادرات إلى أن أصبحت الثقافة ممارسة أساسية للقوة الناعمة الصينية، بهدف تسهيل المعرفة وفهم الأجانب للصين وتجديد الصورة من أجل خلق مناخ يفضي إلى تطورها ونهوضها بقوة. في الواقع، وعلى الرغم من الآثار الإيجابية التي تم الحصول عليها بتبني تعزيز الثقافة كمدخل أساسي لتحسين صورة الصين الخارجية وجذب شراكات مختلفة؛ فإن العديد من الباحثين والمفكرين وعلى رأسهم "جوزيف ناي" فإن الصين لا تتوافر على صناعات ثقافية مهمة وتفتقر إلى الكثير من المؤسسات التي تولد القوة الناعمة.هذا وتعاني الصين سياسيا من عدم المساواة ونقص الديموقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، ولعل العوامل الرئيسة التي تحد من القوة الناعمة الصينية القومية، وإحجام الصين عن الاستفادة الكاملة، وجود مجتمع مدني غير خاضع للرقابة.وبالتالي، تسهم كل تلك العوامل في خلق تحديات وعقبات أمام السياسة الخارجية الصينية، مما يخلق جواً من عدم الثقة نتيجة اختلافات أيديولوجية، أو عدم الثقة في النظام السياسي الصيني والخوف من صعودها الاقتصادي؛ الأمر الذي يجعل من الخطوات المتخذة ذات فعالية مختلطة في سبيل تعزيز الثقافة الجزء الأساسي في القوة الناعمة الصينية لمواجهة القيود والعقبات المطروحة. * باحثة في العلاقات الدولية- المغرب.