قراءة في حركات الكويت الإسلامية (3)
كان للإخوان المسلمين في العراق وبخاصة في مدينتي البصرة والزبير الدور البارز في توفير المواد التثقيفية والمنشورات وتزويد إخوان الكويت بها، يقول الباحث: "كان للحركة الإسلامية الحديثة في العراق تأثيرٌ قوي على التوجهات الدينية في الكويت، وكانت هذه الحركة الإسلامية العراقية متأثرة بدورها بفكر الإخوان في مصر، فقد نشرت ووزعت كتب ومطويات الإخوان من خلال المكتبات الإسلامية التي تستخدم كواجهات لأنشطتها خلال عقد الأربعينيات، فكان هناك، على سبيل المثال، مكتبة الإخوان في البصرة التي تأسست في عام 1944م، وتأسست مكتبة ثانية تحمل الاسم نفسه في الزبير في عام 1946م، وتأسست مكتبتان تحملان الاسم نفسه في بغداد في عام 1947م، كانت تصل من هذه المكتبات- لا سيما القريبة- منها للكويت في الزبير والبصرة كتب ومطويات حركة الإخوان المسلمين المصرية الى الكويت، يضاف إلى ذلك الزيارات التي كان يقوم بها الكويتيون إلى العراق للتجارة والسياحة، وكذلك زيارات العراقيين للكويت، كل ذلك حقق نوعا من الاتصال والتأثير في الحركة الفكرية الكويتية". (ص80-81).وتأثرت مجموعة من الشباب الكويتيين بجماعة الإخوان المصرية بقوة: "إذ أعجبوا بفكرها ومشاركتها السياسية"، ولكن لا يبدو أن بعضهم من الكويت قد تطوع في معارك 1948 في حرب فلسطين، وأدى قيام إسرائيل ووجود الفلسطينيين في الكويت بعد عام 1948 الى مساهمة بعض الفلسطينيين في نشاط الإخوان، ومنهم محمد يوسف النجار وخليل الوزير وخالد الحسن".وربما احتاج دور الإخوان العراقيين في تأسيس ومساندة حركة الإخوان في الكويت في مجالات التثقيف والتنظيم الى دراسة مستقلة موسعة، وكان للعراق دوره المعروف كذلك في بقية الاتجاهات والتيارات الكويتية وبخاصة التوجهات القومية.
ويقول د. الزميع ملخصاً نظرة النخبة الكويتية من إسلاميين وقوميين وإصلاحيين إلى العراق في أربعينيات القرن العشرين: "اعتبر الكويتيون العراق مركز الحضارة والحرية خاصة عندما انتهج الملك غازي سياسة جذبت العديد من الناس لاسيما من فئة المتعلمين والتجار". (58).وحتى جمعية الإرشاد الإسلامي التي أسسها المتحمسون الإسلاميون الكويتيون كانت على منوال "نادي الإرشاد" في بغداد التي كانت تصدر عنها جريدة بالاسم نفسه، ورد ذكرها في مجلة الكويت التي كان يصدرها المؤرخ عبدالعزيز الرشيد". (الجزء الأول- المجلد الثاني- شهر المحرم 1348هـ- طبعة خالد الرشيد، 2020، ص600).ظهرت دعوة الإخوان في العراق بعد عودة مؤسسها الموصلي الشيخ محمد محمود الصواف 1914-1990 الذي درس في الأزهر وتخرج عام 1940، حيث تعرف هناك على الإخوان المسلمين وتوثقت علاقته بهم والتقى بالشيخ حسن البنا وأبدى في مذكراته إعجابه الشديد وتأثره العميق بدعوته، وقد ظهرت الدعوة الإخوانية في البصرة عام 1943 عن طريق مجلة "الإخوان المسلمين"، ثم عن طريق محمد عبدالحميد أحمد المدرس المصري، كما كان لزيارة الصواف للبصرة عام 1947 أثر كبير في انضمام عدد منهم للإخوان، ومنها انتقلت الى الزبير قبل منتصف الأربعينيات عن طريق الطلبة الذين كانوا يدرسون في مدارس البصرة، ثم انتقلت دعوة الإخوان الى العمارة عام 1945". (الإخوان المسلمون في العراق 1959-1971، د. إيمان عبدالحميد الدباغ بيروت 2012، ص20-21).وقام الإخوان بتأسيس جمعية الإخوة الإسلامية بعد محاولات شتى مع الحكومة، حيث حاولوا في البداية إقامة الجمعية باسم أقرب للإخوان "غير أن قوانين الجمعيات في العراق كان يمنع إعطاء رخصة لجمعية إسلامية باسم موجود في بلاد أخرى". (من سجل ذكرياتي، الشيخ محمد محمود الصواف 1987 ص110). ومن المفارقات أن الموافقة على طلب التأسيس جاءت من حكومة رئيس الوزراء نوري السعيد الذي رحب الإخوان بالإطاحة به عام 1958، وكان الطلب مقدما للحكومة باسم رجل الدين العراقي الرفيع المكانة الشيخ أمجد الزهاوي وتمت الموافقة في 13/ 9/ 1949، غير أن الجمعية لم تستمر طويلا، حيث تم حلها عام 1954 إثر صدور قانون الجمعيات رقم 19 الخاص بإلغاء الجمعيات والنوادي في العراق، وهكذا ألغيت جمعية الأخوة الإسلامية بفروعها وشعبها وأغلقت مقراتها وصودرت ممتلكاتها". (د.الدباغ ص34).ومما يستوقف القارئ في كتاب د. الدباغ وقوف الإخوان مع انقلاب 14 تموز (يوليو) 1958 رغم أن أدبيات الإخوان المسلمين ورسائل حسن البنا ترفض مثل هذه المناهج في تغيير الحكم.وتقول د. الدباغ إن الإخوان كانوا على علم مؤكد بثورة 14 تموز (يوليو) 1958، ثم تضيف: "أيد الإخوان ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 في بدايتها، إذ كان الإخوان يعلنون تأييدهم لها في المساجد عقب صلاة الجمعة أو بتوزيع المنشورات المؤيدة للثورة".وتقول د. الدباغ إن الشيخ الصواف أرسل برقية تهنئة بقيام الثورة إلى رئيس مجلس السيادة محمد نجيب الربيعي جاء فيها: "وما كاد خبر الثورة المظفرة يطرق سمعي في يوم 14 تموز إلا وكدت أعلو الأرض فخرا وسرورا، وابتهلت الى الله العلي الكبير بالدعاء بأن يحفظ ويوفق رجالها وعلى رأسهم الزعيم البطل عبدالكريم قاسم". (د.الدباغ، ص38).ويبدو موقف الشيخ الصواف غاية في السذاجة السياسية، إذا أخذنا بالاعتبار اصطدام الثورة المصرية بالإخوان عام 1954 وما كان يجري في مصر عموما منذ ذلك الوقت، وكذلك نشاط الإخوان المضاد لجمال عبدالناصر في سورية وغير ذلك.وتقول د. الدباغ في الصفحة نفسها "إن موقف الإخوان من الثورة بدأ يتغير، فقد أدى الصراع الذي حدث بين قادة الثورة ولا سيما بين عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف إلى لجوء كل طرف منهما إلى جمع أنصار له لضرب الطرف الآخر، فاستعان قاسم بالشيوعيين واستعان عارف بالقوميين". (د. الدباغ، ص33).يتبع،،،